عمدة القاري - العيني - ج ١٦ - الصفحة ١٨٥
ذكر معناه: قوله: (وأبو بكر بالسنح)، بضم السين المهملة وسكون النون بعدها حاء مهملة، وضبطه أبو عبيد البكري بضم النون، وقال: إنه منازل بني الحارث بن الخزرج بالعوالي، بينه وبين المسجد النبوي ميل، وبه ولد عبد الله بن الزبير، رضي الله تعالى عنهما، وكان أبو بكر نازلا به ومعه أسماء ابنته، وسكن هناك أبو بكر لما تزوج ابنة خارجة الأنصارية. قوله: (قال إسماعيل)، هو شيخ البخاري المذكور وهو ابن أبي أويس. قوله: (يعني: بالعالية) أراد تفسير قول عائشة: بالسنح، العالية، والعوالي أماكن بأعلى أراضي المدينة. وأدناها من المدينة على أربعة أميال وأبعدها من جهة نجد ثمانية، والنسبة إليها علوي على غير قياس. قوله: (والله ما مات رسول الله، صلى الله عليه وسلم)، إنما حلف عمر، رضي الله تعالى عنه، على هذا بناء على ظنه حيث أدى اجتهاده إليه. قوله: (قالت) أي: عائشة، رضي الله تعالى عنها. قوله: (ذلك) أي: عدم الموت. قوله: (وليبعثنه الله) أي: ليبعثن الله محمدا في الدنيا فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم وهم الذين قالوا بموته. قوله: (فجاء أبو بكر) أي: من السنح، فكشف عن وجه رسول الله، صلى الله عليه وسلم فقبله، وقد مر في أول الجنائز، قالت عائشة: أقبل أبو بكر على فرسه من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة، فتيمم النبي، صلى الله عليه وسلم، وهي مسجى ببرد حبرة، فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله ثم بكى. قوله: (بأبي أنت وأمي) أي: أنت مفدى بأبي وأمي. قوله: (حيا وميتا) أي: في حالة حياتك وحالة موتك. قوله: (لا يذيقك الله الموتتين)، بضم الياء من الإذاقة، وأراد بالموتتين: الموت في الدنيا والموت في القبر، وهما الموتتان المعروفتان المشهورتان، فلذلك ذكرهما بالتعريف، وهما الموتتان الواقعتان لكل أحد غير الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، فإنهم لا يموتون في قبورهم، بل هم أحياء، وأما سائر الخلق فإنهم يموتون في القبور ثم يحيون يوم القيامة. ومذهب أهل السنة والجماعة: أن في القبر حياة وموتا فلا بد من ذوق الموتتين لكل أحد غير الأنبياء. وقد تمسك بقوله: (لا يذيقك الله الموتتين) من أنكر الحياة في القبر، وهم المعتزلة ومن نحا نحوهم، وأجاب أهل السنة عن ذلك بأن المراد به نفي الحياة اللازم من الذي أثبته عمر، رضي الله تعالى عنه، بقوله: ليبعثنه الله في الدنيا ليقطع أيدي القائلين بموته، فليس فيه من نفي موت عالم البرزخ. قوله: (ثم خرج)، أي: ثم خرج أبو بكر من عند النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (على رسلك)، بكسر الراء وسكون السين المهملة، أي: اتئد في الحلف أو كن على رسلك أي: التؤدة لا تستعجل. قوله: (إلا من كان)، كلمة ألا، هنا للتنبيه على شيء يأتي أو يقوله. قوله: (فنشج الناس)، بفتح النون وكسر الشين المعجمة بعدها جيم، يقال: نشج الباكي إذا غص في حلقه البكاء، وقيل: النشيج بكاء معه صوت، نقله الخطابي، وقيل: هو بكاء بترجيع، كما يردد الصبي بكاءه في صدره، وقال ابن فارس: نشج الباكي غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب، والنحيب بكاء مع صوت. قوله: (في سقيفة بني ساعدة)، وهو موضع سقف كالسباط كان مجتمع الأنصار ودار ندوتهم، وساعدة هو ابن كعب بن الخزرج، وقال ابن دريد: ساعدة اسم من أسماء الأسد. قوله: (فقالوا)، أي: الأنصار (منا أمير ومنكم أمير) إنما قالوا ذلك بناء على عادة العرب أن لا يسود القبيلة إلا رجل منهم، ولم يعلموا حينئذ أن حكم الإسلام بخلاف ذلك، فلما سمعوا أنه، صلى الله عليه وسلم قال: (الخلافة في قريش) أذعنوا لذلك وبايعوا الصديق. قوله: (خشيت أن لا يبلغه أبو بكر) خشيت، بالخاء المعجمة من الخشية وهو الخوف، ويروى: (حسبت)، بالحاء والسين المهملتين من الحسبان، وفي رواية ابن عباس: (قد كنت زورت)، أي: هيأت وحسنت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحد، أي: الحدة، فقال: على رسلك، فكرهت أن أغضبه. قوله: (فتكلم أبلغ الناس)، بنصب أبلغ على الحال، وأبلغ أفعل التفضيل والبلاغة في الكلام مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحة الكلام، فالحال في الاصطلاح هي الأمور الداعية إلى المتكلم على الوجه المخصوص، ويجوز الرفع على الفاعلية، كذا قاله بعض الشراح، وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف أولى، فالتقدير: فتكلم أبو بكر وهو أبلغ الناس، وقال السهيلي: النصب أوجه ليكون تأكيدا لمدحه وصرف الوهم عن أن يكون أحد موصوفا بذلك غيره، وفي رواية ابن عباس: قال عمر، رضي الله تعالى عنه: ما ترك كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بديهته وأفضل حتى سكت. قوله: (فقال في كلامه)، أي: فقال أبو بكر في جملة كلامه: (نحن الأمراء وأنتم الوزراء) كأنه أراد بهذا أن الإمارة، أعني: الخلافة لا تكون إلا في المهاجرين، وأراد بقوله: (أنتم الوزراء) أنتم المستشارون في الأمور تابعون للمهاجرين، لأن مقام الوزارة الإعانة
(١٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 ... » »»