عمدة القاري - العيني - ج ١٦ - الصفحة ١٩٥
عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقال عمر أضحك الله سنك يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم عجبت من هاؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب فقال عمر فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله ثم قال عمر يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله تصلى الله عليه وسلم فقلن نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك. (انظر الحديث 4923 وطرفه).
مطابقته للترجمة في قوله: (والذي نفسي بيده) إلى آخره.
وأخرج هذا الحديث من طريقين: أحدهما: عن علي بن عبد الله عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن صالح ابن كيسان عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، كان واليا لعمر ابن عبد العزيز على الكوفة، يروي عن محمد بن سعد بن أبي وقاص، وكلهم مدنيون. وفيه: أربعة من التابعين على نسق، وهم: صالح وابن شهاب وهما قريبان وعبد الحميد ومحمد بن سعد وهما قريبان، وقد مر الحديث بهذا الطريق في: باب صفة إبليس وجنوده. والطريق الآخر: عن عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي المدني عن إبراهيم بن سعد المذكور عن صالح بن كيسان إلى آخره.
قوله: (وعندن نسوة من قريش) هن من أزواجه، ويحتمل أن يكون معهن من غيرهن، لكن قرينة كونهن يستكثرنه يؤيد الأول، والمراد أنهن يطلبن منه أكثر مما يعطيهن، كذا قاله بعضهم: وقال النووي: يستكثرنه، أي: يطلبن كثيرا من كلامه وجوابه لجوابهن. وفي (التوضيح): يستكثرنه يردن العطاء، وقد أبان في موضع آخر ذلك: أنهن يردن النفقة، وقال الداودي: المراد أنهن يكثرن الكلام عنده، وقال بعضهم: هو مردود بما وقع التصريح به في حديث جابر عند مسلم: أنهن يطلبن النفقة. قلت: الذي قاله النووي أظهر لأن الضمير المنصوب في: يستكثرنه، يرجع إلى الكلام الذي يدل عليه: يكلمنه، وثمة قرينة تؤيد هذا وهو أن عمر، رضي الله تعالى عنه، لم يكن يرى بالخطاب لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله: أي عدوات أنفسهن، في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، بل الظاهر أنهن غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم جئن لأجل حوائجهن كما قاله النووي، وأكثرن الكلام كما قاله الداودي، ورد كلامه ليس له وجه ولا يصلح أن يكون حديث جابر مؤيدا لما ذهب إليه هذا القائل، لأن حديث سعيد غير حديث جابر، ولئن سلمنا أن يكون معناهما واحدا فلا يلزم من قوله: يطلبن النفقة، أن تكون تلك النسوة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لاحتمال أن تكون أزواج تلك النسوة غائبين ولم يكن عندهن شيء، فجئن إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وطلبن منه النفقة، وأيضا لفظ النفقة غير مخصوص بنفقة الزوجات على ما لا يخفى. قوله: (عالية)، بالنصب على الحال، ويجوز بالرفع على أن يكون صفة لنسوة، وأما علو أصواتهن فإما أنه كان قبل نزول قوله تعالى: * (ولا ترفعوا أصواتكم) * (الحجرات: 2). وإما أنه كان باعتبار اجتماع أصواتهن، لا أن كلام كل واحدة منهن بانفرادها أعلى من صوته، صلى الله عليه وسلم. قوله: (فبادرن)، أي: أسرعن، قوله: (أضحك الله سنك)، لم يرد به الدعاء بكثرة الضحك، بل أراد لازمه وهو السرور والفرح. قوله: (يهبنني)، بفتح الهاء، أي: يوقرنني ولا يوقرن رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (أفظ وأغلظ)، من الفظاظة والغلاظة، وهما من أفعل التفضيل، وهو يقتضي الشركة في أصل الفعل. فإن قلت: كيف ذاك في النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلت: باعتبار القدر الذي في النبي صلى الله عليه وسلم، من إغلاظه على الكفار وعلى المنتهكين لحرمات الله تعالى. فإن قلت: يعارض هذا قوله تعالى: * (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) * (آل عمران: 3). قلت: الذي في الآية يقتضي أن لا يكون ذلك صفة لازمة فلا يستلزم ما في الحديث ذلك، بل يوجد ذلك عند الإنكار على الكفار كما ذكرناه. وقال بعضهم: وجوز بعضهم أن يكون الأفظ هنا بمعنى الفظ، وفيه نظر للتصريح بالترجيح المقتضي لكون أفعل على بابه. قلت: أراد بالبعض الكرماني، فإنه قال هكذا، وليس بمحل للنظر فيه، لأن هذا الباب واسع في كلام العرب. قوله: (إيها) بكسر الهمزة وسكون الباء آخر الحروف وبالهاء المفتوحة المنونة، ويروى: إيه، بكسر الهمزة وكسر الهاء
(١٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 ... » »»