عمدة القاري - العيني - ج ١٥ - الصفحة ٩٧
وإبائهم أيضا من قبول أيمان اليهود، فكاد الحكم أن يكون مطولا، ولكن أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يوادع اليهود بالغرم عنهم لأن الدليل كان متوجها إلى اليهود في القتل لعبد الله، وأراد أن يذهب ما بنفوس أوليائه من العداوة لليهود بأن غرم لهم الدية، إذ كان العرف جاريا أن من أخذ دية قتيله فقد انتصف. وقال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي عن موادعة إمام المسلمين أهل الحرب على فدية أو هدية يؤديها المسلمون إليهم، فقال: لا يصح ذلك إلا بضرورة وشغل من المسلمين عن حربهم من قتال عدوهم أو فتنة شملت المسلمين، فإذا كان ذلك فلا بأس به. قال الوليد: وذكرت ذلك لسعيد بن عبد العزيز فقال: قد صالحهم معاوية أيام صفين، وصالحهم عبد الملك بن مرواه لشغله بقتال ابن الزبير، يؤدي عبد الملك إلى طاغية ملك الروم في كل يوم ألف دينار، وإلى تراجمة الروم وأنباط الشام في كل جمعة ألف دينار. وقال الشافعي: لا يعطيهم المسلمون شيئا بحال إلا أن يخافوا أن يصطلحوا لكثرة العدد، لأنه من معاني الضرورات، أو يرسل مسلم فلا يخلى إلا بفدية فلا بأس به لأنه صلى الله عليه وسلم فدى رجلا برجلين، وقال ابن بطال: ولم أجد لمالك وأصحابه ولا الكوفيين نصا في هذه المسألة. قلت: مذهب أصحابنا أن للإمام أن يصالحهم بمال يأخذه منهم أو يدفعه إليهم إذا كان الصلح خيرا في حق المسلمين، لقوله تعالى: * (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) * (الأنفال: 16). والمال الذي يؤخذ منهم بالصلح يصرف مصارف الجزية.
31 ((باب فضل الوفاء بالعهد)) أي: هذا باب في بيان فضل الوفاء بالعهد أي: الميثاق.
4713 حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أخبره أن عبد الله بن عباس أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش كانوا تجارا بالشام في المدة التي ماد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان في كفار قريش..
مطابقته للترجمة من حيث إن الغدر عند كل أمة قبيح مذموم، وليس هو من صفات الرسل، وأن هرقل أراد أن يمتحن بذلك، أعني بإرساله إلى أبي سفيان صدق رسول الله، صلى الله عليه وسلم لأن من غدر ولم يف بعهده لا يجوز أن يكون نبيا، والرسل أخبرت عن الله تعالى فضل من وفى بعهده.
والحديث قطعة من حديث أبي سفيان قد مر في أوائل الكتاب. قوله: (ماد) أي: المدة التي هادن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعينها للصلح بينهما، ويقال: ماد الغريمان: إذا اتفقا على أجل الدين.
41 ((باب هل يعفى عن الذمي إذا سحر)) أي: هذا باب يذكر فيه: هل يعفى... إلى آخره، وجواب الاستفهام يوضحه حديث الباب.
وقال ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب سئل أعلى من سحر من أهل العهد قتل قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صنع له ذلك فلم يقتل من صنعه وكان من أهل الكتاب مطابقته للترجمة ظاهرة، وقال الكرماني: فإن قلت: الترجمة بلفظ الذمي، والسؤال بأهل العهد، والجواب بأهل الكتاب؟ قلت: المراد بأهل الكتاب: الذي لهم عهد، وإلا فهو حربي واجب القتل، والعهد والذمة بمعنى. انتهى. قلت: هذا تطويل بلا فائدة، وكان قوله: والعهد والذمة بمعنى، فيه كفاية، وفيه إيضاح لجواب الترجمة. وابن وهب هو عبد الله بن وهب، ويونس هو ابن يزيد الأيلي. وهذا التعليق موصول في جامع ابن وهب.
قوله: (سئل)، على صيغة المجهول. قوله: (أعلى؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار. قوله: (ذلك)، أي: السحر، وحكم هذا الباب أنه لا يقتل ساحر أهل الكتاب عند مالك كقول ابن شهاب، ولكن يعاقب إلى أن يقر بسحره فيقتل أو يحدث حدثا فيؤخذ منه بقدر ذلك، وهو قول أبي حنيفة والشافعي
(٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 ... » »»