مطابقته للترجمة من حيث إن قبول هديته مؤذن بموادعته وكتابته ببحرهم مؤذن بدخولهم في الموادعة، لأن موادعة الملك موادعة لرعيته، لأن قوتهم به ومصالحهم إليه، فلا معنى لانفراده دونهم وانفرادهم دونه عند الإطلاق. وقال بعضهم: هذا القدر لا يكفي في مطابقة الحديث للترجمة، لأن العادة بذلك معروفة من غير الحديث، وإنما جرى البخاري على عادته في الإشارة إلى بعض طرق الحديث الذي يورده، وقد ذكر ذلك ابن إسحاق في (السيرة) فقال: لما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم، إلى تبوك أتاه بحنة بن روبة صاحب أيلة فصالحه وأعطاه الجزية، وكتب إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كتابا فهو عندهم بسم الله الرحمن الرحيم! هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله لبحنة بن روبة وأهل أيلة...) فذكره. قلت: هذا القائل ذكر الاكتفاء في مواضع عديدة في المطابقة بوجه أدنى من الذي ذكرناه، فما له يدعى هنا عدم الكفاية؟ وإثبات المطابقة بالوجه الذي ذكرناه أقوى وأوجه من الذي ذكره، لأن الذي ذكرناه من الداخل، والذي ذكره من الخارج؟ وهل علم أنه قصد ذلك أم لا؟
وسهل بن بكار أبو بشر الدارمي البصري، ووهيب مصغر وهب بن خالد بن عجلان أبو بكر البصري صاحب الكرابيس، وعمرو بن يحيى بن عمارة المازني، وعباس ابن سهل الساعدي، وأبو حميد الساعدي اسمه عبد الرحمن، وقيل: المنذر، ويقال: إنه عم عباس الساعدي.
وهذا طرف حديث مضى في كتاب الزكاة مطولا بعين هذا الإسناد في: باب خرص التمر، وقد مضى الكلام فيه.
قوله: (أيلة) بضم الهمزة وسكون الياء آخر الحروف وفتح اللام وفي آخره هاء، وقال ابن قرقول: هي مدينة بالشام على النصف ما بين طريق مصر ومكة على شاطىء البحر من بلاد الشام. قوله: (وكساه) كذا هو بالواو: وفي رواية أبي ذر بالفاء، قوله: (ببحرهم) أي: بقريتهم.
3 ((باب الوصاة بأهل ذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم)) أي: هذا باب في بيان الوصية بأهل الذمة وإنما أضاف الذمة إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم لأن الذمة التي هي العهد عهد بينهم وبين رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والوصاة اسم بمعنى الوصاية، بفتح الواو وتخفيف الصاد بمعنى: الوصية. وقال الجوهري: أوصيت له بشيء وأوصيت إليه: إذا جعلته وصيك، والاسم: الوصاية، بكسر الواو وفتحها، وأوصيته ووصيته توصية، والاسم: الوصاة، وفي بعض النسخ: باب الوصايا.
والذمة العهد والإل القرابة فسر البخاري الذمة بالعهد، والذمة تجيء بمعنى العهد والأمان والضمان والحرمة والحق، وسمى أهل الذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم. قوله: (والأل) بكسر الهمزة وتشديد اللام، وقد فسره بالقرابة، والإل أيضا الله تعالى، قاله مجاهد، وأنكروا عليه، وقيل: الإل الأصل الجيد، والأل بالفتح: الشدة، والله تعالى أعلم.
4 ((باب ما أقطع النبي صلى الله عليه وسلم من البحرين وما وعد من مال البحرين والجزية ولمن يقسم الفيء والجزية)) أي: هذا باب في بيان ما أقطع النبي صلى الله عليه وسلم وأقطع من الإقطاع، بكسر الهمزة: وهو تسويغ الإمام شيئا من مال الله لمن يراه أهلا لذلك، وأكثر ما يستعمل في إقطاع الأرض، وهو أن يخرج منها شيئا له يحوزه إما أن يملكه إياه فيعمره، أو يجعل له عليه مدة. والإقطاع قد يكون تمليكا وغير تمليك، والأجناد يسمون مقطعين، بفتح الطاء، ويقال: مقتطعين أيضا (من البحرين) أراد به: من، مال البحرين، لأنها كانت صلحا، فلم يكن في أرضها شيء. قوله: (وما وعد) على: ما أقطع. قوله: (والجزية) من عطف الخاص على العام. قوله: (ولمن يقسم الفيء) وقد مر أن الفيء ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد.