في الرواية الأخرى: حتى أتى المدراس. قلت: ما ثم ترجيح لأن معنى أتى المدراس، أي: جاء مكان دراستهم للتوراة ونحوها. قوله: (أسلموا)، بفتح الهمزة، من الإسلام. قوله: (تسلموا) مجزوم لأنه جواب الأمر، وهو من السلامة، وفيه الجناس الحسن، لسهولة لفظه وعدم كلفته، ونظيره في كتاب هرقل: أسلم تسلم. قوله: (واعلموا) جملة ابتدائية كأنهم قالوا في جواب قوله: أسلموا تسلموا: لم قلت هذا وكررته؟ فقال: إعلموا أني أريد أن أجليكم فإن أسلمتم سلمتم. قوله: (بماله)، أي: بدل ماله، والباء للبدلية. قوله: (فليبعه)، جواب: من والمعنى إن من كان له شيء مما لا يمكن تحويله فله أن يبيعه. قوله: (وإلا)، أي: وإن لم تسمعوا ما قلت لكم من ذلك فاعلموا أن الأرض لله، أي: تعلقت مشيئة الله بأن يورث أرضكم هذه للمسلمين ففارقوها، وهذا كان بعد قتل بني قريظة وإجلاء بني النضير، لأن هذا كان قبل إسلام أبي هريرة، لأن أبا هريرة إنما جاء بعد فتح خيبر. قوله: (ورسوله)، ويروى: (ولرسوله).
8613 حدثنا محمد قال حدثنا ابن عيينة عن سليمان بن أبي مسلم الأحول قال سمع سعيد ابن جبير قال سمع ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقول يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى بل دمعه الحصى قلت يا ابن عباس ما يوم الخميس قال اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا ماله أهجر استفهموه فقال ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه فأمرهم بثلاث قال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم والثالثة خير إما أن سكت عنها وإما أن قالها فنسيتها: قال سفيان هاذا من قول سليمان..
مطابقته للترجمة في قوله: (أخرجوا المشركين)، فإن قلت: الترجمة إخراج اليهود والمشرك أعم من اليهود. قلت: إنما ذكر اليهود في الترجمة لأن أكثرهم يوحدون الله تعالى، فإذا كان هؤلاء مستحقين الإخراج فغيرهم من الكفار أولى، ومحمد شيخ البخاري، قال الجياني: لم ينسبه أحد من الرواة، وقال بعضهم: هو محمد بن سلام، وقد ذكر في الوضوء: حدثنا ابن سلام حدثنا ابن عيينة. قلت: لا يلزم من قوله في الوضوء: حدثنا ابن سلام عن ابن عيينة أن يكون هنا أيضا ابن سلام عن ابن عيينة، لأنه قال في عدة مواضع: عن محمد بن يوسف البيكندي عن ابن عيينة وروى الإسماعيلي هذا الحديث عن الحسن بن سفيان عن محمد بن خلاد الباهلي عن ابن عيينة وهو سفيان بن عيينة.
والحديث مر في كتاب الجهاد في: باب هل يستشفع إلى أهل الذمة فإنه أخرجه هناك عن قتيبة عن ابن عيينة... إلى آخره، وقد مر الكلام فيه هناك.
قوله: (قال سفيان) أي: ابن عيينة، هذا من قول سليمان أي: الأحول المذكور فيه. وقال المهلب: إنما أمر بإخراجهم خوف التدليس منهم. وأنهم متى رأوا عدوا قويا صاروا معه، كما فعلوا برسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم الأحزاب.
وقال الطبري: فيه: من الفقه: أن الشارع بين لأمته المؤمنين إخراج كل من دان بغير دين الإسلام من كل بلدة للمسلمين، سواء كانت تلك البلدة من البلاد التي أسلم أهلها عليها أو من بلاد العنوة إذا لم يكن للمسلمين بهم ضرورة إليهم، مثل كونهم عمارا لأراضيهم ونحو ذلك. فإن قلت: كان هذا خاصا بمدينة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وسائر جزيرة العرب دون سائر بلاد الإسلام، إذ لو كان الكل في الحكم سواء لكان، صلى الله عليه وسلم بين ذلك. قلت: قد ذكرنا أنه إذا كان للمسلمين ضرورة إليهم لا يتعرض لهم، ألا يرى أنه صلى الله عليه وسلم أقر يهود خيبر بعد قهر المسلمين إياهم لإعمار أرضها للضرورة، وكذلك فعل الصديق، رضي الله تعالى عنه، في يهود خيبر ونصارى نجران، وكذلك فعل عمر، رضي الله تعالى عنه، بنصارى الشام، فإنه أقرهم للضرورة إليهم في عمارة الأرضين، إذا كان المسلمون مشغولين بالجهاد.