عمدة القاري - العيني - ج ١٥ - الصفحة ٢٤٨
جبار من الجبابرة فقيل له إن هاهنا رجلا معه امرأة من أحسن الناس فأرسل إليه فسأله عنها فقال من هاذه قال أختي فأتى سارة قال يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني فأرسل إليها فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت الله فأطلق ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت فأطلق فدعا بعض حجبته فقال إنكم لم تأتوني بإنسان إنما أتيتموني بشيطان فأخدمها هاجر فأتته وهو قائم يصلي فأومأ بيده مهيا قالت رد الله كيد الكافر أو الفاجر في نحره وأخدم هاجر قال أبو هريرة فتلك أمكم يا بني ماء السماء..
مطابقته للترجمة في قوله: (لم يكذب إبراهيم) وما المقصود إلا ذكر إبراهيم فقط.
وأخرجه من طريقين: الأول: عن سعيد بن تليد، بفتح التاء المثناة من فوق وكسر اللام وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره دال مهملة: وهو سعيد بن عيسى بن تليد أبو عثمان الرعيني المصري، وهو من أفراده، يروي عن عبد الله بن وهب المصري عن جرير بن حازم عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة. والثاني: عن محمد بن محبوب ضد مبغوض أبي عبد الله البصري إلى آخره.. وهذا الطريق غير مرفوع. والحديث في الأصل مرفوع كما في رواية جرير بن حازم، وكذا عند النسائي والبزار وابن حبان مرفوع من حديث هشام بن حسان عن ابن سيرين، وابن سيرين كان غالبا لا يصرح برفع كثير من حديثه. وأخرجه البخاري أيضا في النكاح عن سعيد المذكور مرفوعا. وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي الطاهر بن السرح. وأخرج البخاري هذا الحديث أيضا في كتاب البيوع في: باب شراء المملوك من الحربي عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة... إلى آخره، وليس فيه قضية الكذب، وباقي القضية فيه على اختلاف في المتن بزيادة ونقصان.
قوله: (إلا ثلاثا) أي: إلا ثلاث كذبات، كما في الطريق الثاني، وقيل: الجيد أن يقال: بفتح الذال في الجمع لأنه جمع كذبة بسكون الذال وهو اسم لا صفة لأنك تقول: كذب كذبة كما تقول ركب ركبة، ولو كان صفة لسكن في الجمع، وقد استشكل بعضهم هذا الحصر في ثلاث لأنه جاء في رواية مسلم من حديث أبي حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة، قال: أتي رسول الله، صلى الله عليه وسلم يوما بلحم فرفع إليه الذراع... الحديث، وهو حديث طويل في الشفاعة، وفيه: إذهبوا إلى إبراهيم، عليه الصلاة والسلام... الحديث، وفيه: وذكر كذباته... الحديث، وفيه: وزاد في قصة إبراهيم قال: وذكر قوله في الكوكب: هذا ربي، وقوله لآلهتهم: (بل فعله كبيرهم هذا)، وقوله: * (إني سقيم) * (الصافات: 98). وجه الاستشكال أن ذكر الكوكب يقتضي أن كذباته أربع، وهو يعارض الحصر في حديث الباب. وقال بعضهم في معرض الجواب: الذي يظهر أنه وهم من بعض الرواة، فإنه ذكر قوله في الكوكب بدل قوله في سارة، والذي اتفقت عليه الطرق في ذكر سارة دون الكوكب. انتهى. قلت: لا يحتاج إلى نسبة إحد إلى الوهم، لأن قوله في الكوكب لا يخلو إما أنه كان وهو طفل كما قاله ابن إسحاق، وإما أنه كان بعد البلوغ، فإن كان الأول فلا يعد هذا شيئا. لأن الطفولية ليست بمحل للتكليف، وإن كان الثاني فإنه إنما قال ذلك على طريق الاحتجاج على قومه تنبيها على أن الذي يتغير لا يصلح للربوبية، أو قاله توبيخا أو تهكما بهم، وكل ذلك لا يطلق عليه الكذب، وأما وجه إطلاق الكذب على الأمور الثلاثة فهو ما قاله الماوردي: أما الكذب فيما طريقه البلاغ عن الله عز وجل فالأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، معصومون عنه، وأما في غيره فالصحيح امتناعه. فيؤول ذلك بأنه كذب بالنسبة إلى فهم السامعين، أما في نفس الأمر فلا، إذ معنى سقيم إني سأسقم لأن الإنسان عرضة للأسقام أو سقيم بما قدر عليه من الموت أو كانت تأخذه الحمى في ذلك الوقت. وأما: فعله كبيرهم، فيؤول بأنه أسند إليه لأنه هو السبب لذلك أو هو مشروط بقوله: إن كانوا ينطقون أو يوقف عند لفظ: فعله، أي: فعله فاعله، وكبيرهم هو ابتداء الكلام، وأما سارة فهي أخته بالإسلام، واتفق الفقهاء على أن الكذب جائز بل واجب في بعض المقامات، كما أنه لو طلب ظالم وديعة
(٢٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 ... » »»