عمدة القاري - العيني - ج ١٥ - الصفحة ٢٠٢
الواو والميم والسين، ورواه ابن الوليد عن ابن السماك: المآميس، بالهمزة فإن صح بالهمز فهو من مأس الرجل إذا لم يلتفت إلى موعظة، ومأس بين القوم أفسد. انتهى. قلت: إذا كان لفظ: مومسة، من مأس، يأتي اسم الفاعل المؤنث: مائسة، ولا يأتي من هذا الباب: مومسة، والذي يظهر لي أنه من: مومس، مثل: وسوس، والفاعل منه للمذكر مومس، وللمؤنث مومسة. قوله: (ركي)، بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد الياء: هو البئر، ويجمع على: ركايا. قوله: (بذلك)، أي: بسبب ما فعلت من السقي.
وفيه: دليل على قبول عمل المرتكب للكبائر من المسلمين، وأن الله تعالى يتجاوز عن الكبيرة بالعمل اليسير من الخير تفضلا منه.
2233 حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا سفيان قال حفظته من الزهري كما أنك ههنا قال أخبرني عبيد الله عن ابن عباس عن أبي طلحة رضي الله تعالى عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة..
علي بن عبد الله المعروف بابن المديني، وسفيان بن عيينة، وعبيد الله بن عبد الله، وأبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري، والحديث مضى عن قريب في: باب إذا قال أحدكم: آمين، فإنه أخرجه هناك: عن ابن مقاتل عن عبد الله عن معمر عن الزهري إلى آخره. قوله: (كما أنك ههنا)، يعني: كما لا شك في كونك في هذا المكان ، كذلك لا شك في حفظي له.
3233 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب.
الحديث أخرجه مسلم أيضا في البيوع عن يحيى بن يحيى عن مالك. وأخرجه النسائي في الصيد عن قتيبة عن مالك، وأخرجه ابن ماجة فيه عن سويد بن سعيد عن مالك، وأخذ مالك وأصحابه وكثير من العلماء جواز قتل الكلاب إلا ما استثني منها، ولم يروا الأمر بقتل ما عدا المستثنى منسوخا، بل محكما. وقال الإجماع على قتل العقور منها، واختلفوا في قتل ما لا ضرر فيه، فقال إمام الحرمين أمر الشارع أولا بقتلها كلها، ثم نسخ ذلك ونهى عن قتلها إلا الأسود البهيم، ثم استقر الشرع على النهي عن قتل جميعها إلا الأسود، لحديث عبد الله بن مغفل المزني: لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها، رواه أصحاب (السنن) الأربعة. ومعنى: البهيم، شيطان بعيد عن المنافع قريب من المضرة، وهذه أمور لا تدرك بنظر، ولا يوصل إليها بقياس، وإنما ينتهي إلى ما جاء عن الشارع، وقد روى ابن عبد البر عن ابن عباس: أن الكلاب من الجن، وهي ضعفة الجن، وفي لفظ: السود منها جن، والبقع منها جن، وقال ابن الأعرابي: هم سفلة الجن وضعفاؤهم، وقال ابن عديس: يقال: كلب جني، وروي عن الحسن وإبراهيم أنهما يكرهان صيد الكلب الأسود البهيم، وإليه ذهب أحمد وبعض الشافعية، وقالوا: لا يحل الصيد إذا قتله، وعند أبي حنيفة ومالك والشافعي: يحل. وقال أبو عمر: الذي تختاره أن لا يقتل منها شيء إذا لم يضر، لنهيه أن يتخذ فيه روح غرضا، ولحديث: الذي سقى الكلب، ولقوله: في كل كبد حر أجر، وترك قتلها في كل الأمصار، وفيها العلماء ومن لا يسامح في شيء من المنكر والمعاصي الظاهرة، وما علمت فقيها من فقهاء المسلمين جعل اتخاذ الكلاب جرحة، ولا رد قاض شهادة متخذها، ومذهب الشافعي تحريم اقتناء الكلب لغير حاجة.
وقال أبو عمر: في الأمر بقتل الكلاب دلالة على عدم أكلها، ألا ترى إلى الذي جاء عن عمر وعثمان، رضي الله تعالى عنهما، في ذبح الحمام وقتل الكلاب؟ وفيه: دلالة على افتراق حكم ما يؤكل وما لا يؤكل، لأنه ما جاز ذبحه وأكله لم يجز الأمر بقتله، ومن ذهب إلى الأسود منها بأنه شيطان فلا حجة فيه، لأن الله تعالى قد سمى من غلب عليه الشر من الإنس شيطانا، ولم يجب بذلك قتله، وقد جاء مرفوعا: في الحمام شيطان يتبع شيطانه، وليس في ذلك ما يدل على أنهما مسخا من الجن، ولا أن الحمامة مسخت من الجن، ولا أن ذلك واجب قتله، وقال ابن العربي في حديث سقي الكلب: يحتمل أن يكون قبل النهي عن قتلها ويحتمل بعدها، فإن كان الأول فليس بناسخ له، لأنه لما أمر بقتل الكلاب لم يأمر إلا بقتل كلاب المدينة لا بقتل كلاب البوادي،
(٢٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 ... » »»