عمدة القاري - العيني - ج ١٣ - الصفحة ٨٦
تابعه حجاج بن حجاج وأبان وموسى بن خلف عن قتادة اختصره شعبة أي: تابع سعيد بن أبي عروبة في روايته عن قتادة حجاج بن حجاج، على وزن فعال، بالتشديد فيهما: الأسلمي الباهلي البصري الأحول، أراد البخاري بذكر متابعة هؤلاء الرد على من زعم أن الاستسعاء في هذا الحديث غير محفوظ، وأن سعيد بن أبي عروبة تفرد به، فاستظهر له بمتابعة هؤلاء المذكورين.
أما رواية حجاج بن حجاج فهي في نسخة رواها أحمد بن حفص أحد شيوخ البخاري عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان عنه، وكذلك رواه حجاج بن أرطأة عن قتادة فقد أخرجها الطحاوي، وقال: حدثنا روح بن الفرج، قال: حدثنا يوسف بن عدي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن سليمان الرازي عن حجاج بن أرطأة عن قتادة، فذكر مثله، أي: مثل رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، وقد ذكر آنفا.
وأما رواية أبان، فقد أخرجها أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا أبان، قال: حدثنا قتادة عن النضر بن أنس عن بشير ابن نهيك عن أبي هريرة قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (من أعتق شقيصا في مملوكه فعليه أن يعتقه كله إن كان له مال، وإلا استسعى العبد غير مشقوق عليه). ورواه النسائي أيضا والطحاوي.
وأما رواية موسى بن خلف فقد أخرجها الخطيب في كتاب (الفصل للوصل) من طريق أبي ظفر عبد السلام بن مطهر عنه عن قتادة عن النضر، ولفظه: (من أعتق شقصا له في مملوك فعليه خلاصه إن كان له مال، فإن لم يكن له مال استسعى غير مشقوق عليه). وموسى بن خلف، بالخاء المعجمة واللام المفتوحتين: العمي، بفتح العين المهملة وتشديد الميم: كان يعد البدلاء.
وأما من رواية شعبة فأخرجها مسلم والنسائي من طريق غندر عن قتادة بإسناده ولفظه عن النبي، صلى الله عليه وسلم، في المملوك بين الرجلين فيعتق أحدهما نصيبه، قال: يضمن.
6 ((باب الخطإ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه)) أي: هذا باب في بيان حكم الخطأ والنسيان في العتق والطلاق، والخطأ ضد العمد، فقال الجوهري: الخطأ نقيض الصواب، وقد يمد، وقرئ بهما في قوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ) * (النساء: 29). تقول: أخطأت وتخطأت، بمعنى واحد، ولا يقال: أخطيت، وقال ابن الأثير: وأخطأ يخطئ: إذا سلك سبيل الخطأ عمدا أو سهوا، ويقال: خطىء بمعنى أخطأ أيضا، وقيل: خطىء إذا تعمد، وأخطأ إذا لم يتعمد، ويقال لمن أراد شيئا ففعل غيره أو فعل غير الصواب: أخطأ. والنسيان خلاف الذكر والحفظ، ورجل نسيان، بفتح النون: كثير النسيان للشيء، وقد نسيت الشيء نسيانا، وعن أبي عبيدة: النسيان الترك، قال تعالى: * (نسوا الله فنسيهم) * (التوبة: 76). وقد ذكرت في (شرح معاني الآثار) الذي ألفته: أن الخطأ في الاصطلاح هو الفعل في غير قصد تام، والنسيان معنى يزول به العلم من الشيء مع كونه ذاكرا لأمور كثيرة، وإنما قيل ذلك احترازا عن النوم والجنون والإغماء، وقيل: النسيان عبارة عن الجهل الطارىء، ويقال؛ المأتى به إن كان على جهة ما ينبغي فهو الصواب، وإن كان لا على ما ينبغي نظر، فإن كان مع قصد من الآتي به يسمى الغلط، وإن كان من غير قصد منه، فإن كان يتنبه بإيسر تنبيه يسمى السهو، وإلا يسمى الخطأ. قوله: (ونحوه)، أي: نحو ما ذكر من العتاقة والطلاق من الأشياء التي يريد الرجل أن يتلفظ بشيء منها. فيسبق لسانه إلى غيره، وقال بعضهم: (ونحوه)، أي: من التعليقات. قلت: هذا التفسير ليس بظاهر ولا له معنى يفيد صورة الخطأ في العتاق إن أراد التلفظ بشيء فسبق لسانه، فقال لعبده: أنت حر، وكذلك في الطلاق، قال لامرأته: أنت طالق، بعد أن أراد التلفظ بشيء، وقال أصحابنا: طلاق الخاطىء والناسي والهازل واللاعب والذي يكلم به من غير قصد واقع، وصورة الناسي فيما إذا حلف ونسي، وقال الداودي: النسيان لا يكون في الطلاق ولا العتاق إلا أن يريد أنه حلف بهما على فعل شيء ثم نسي يمينه وفعله، فهذا إنما يوضع فيه النسيان إذا لم يذكر فيه يمينه، كما توضع الصلاة عمن نسيها إذا لم يذكرها حتى يموت، وكذلك ديون الناس وغيرها لا يأثم بتركها ناسيا. قال ابن التين: هذا من الداودي على مذهب مالك، رحمه الله تعالى. وفي (التوضيح): وقد اختلف العلماء في الناسي في يمينه: هل يلزمه حنث أم لا؟ على قولين: أحدهما: لا، وهو قول عطاء وأحد قولي الشافعي، وبه قال إسحاق، وإليه ذهب البخاري في الباب. وثانيهما: وهو قول الشعبي وطاووس: من أخطأ في الطلاق فله نيته، وفيه قول ثالث: يحنث في الطلاق خاصة، قاله أحمد، وذهب مالك والكوفيون إلى أنه يحنث في الخطأ أيضا، وادعى ابن بطال أنه الأشهر
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»