4 ((باب إذا أعتق عبدا بين اثنين أو أمة بين الشركاء)) أي: هذا باب يذكر فيه إذا أعتق شخص عبدا كائنا بين شخصين أو أمة، أي: أو أعتق شخص أمة كائنة بين الشركاء، وإنما خصص العبد بالاثنين والأمة بالشركاء مع أن هذا الحكم فيما إذا كانت الأمة بين اثنين والعبد بين الشركاء، مع عدم التفاوت بينهما، لأجل المحافظة على لفظ الحديث. قوله: (بين اثنين) ليس إلا على سبيل التمثيل، إذ الحكم كذلك فيما يكون بين الثلاثة والأربعة وهلم جرا، وقال ابن التين: أراد أن العبد كالأمة لاشتراكهما في الرق، قال: وقد بين في حديث ابن عمر في آخر الباب أنه كان يفتي فيهما بذلك، قيل: كأنه أشار إلى رد قول إسحاق بن راهويه: أن هذا الحكم مختص بالذكور وخطئه، وقال القرطبي: العبد اسم للمملوك الذكر بأصل وضعه، والأمة اسم لمؤنثه بغير لغظه، ومن ثم قال إسحاق: إن هذا الحكم لا يتناول الأنثى، وخالفه الجمهور فلم يفرقوا في الحكم بين الذكر والأنثى، إما لأن لفظ العبد يراد به الجنس، كقوله تعالى: * (ألا آتى الرحمن عبدا) * (مريم: 39). فإنه يتناول الذكر والأنثى قطعا، وإما على طريق الإلحاق لعدم الفارق.
1252 علي بن عبد الله قال حدثنا سفيان عن عمرو عن سالم عن أبيه رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أعتق عبدا بين اثنين فإن كان موسرا قوم عليه ثم يعتق.
.
أخرج البخاري حديث ابن عمرو في هذا الباب من ستة طرق تشتمل على فصول من أحكام عتق العبد المشترك، وقد ذكرنا ما يتعلق بأبحاث هذه الأحاديث مستوفاة في: باب تقويم الأشياء بين الشركاء بقيمة عدل، فإنه أخرج فيه حديث أيوب عن نافع عن ابن عمر، وأخرج أيضا حديث جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر في: باب الشركة في الرقيق، ولنذكر في أحاديث هذا الباب ما لا بد منه، ومن أراد الإمعان فيه فليرجع إلى: باب تقويم الأشياء بين الشركاء.
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني. وسفيان هو ابن عيينة. وعمرو هو ابن دينار. وسالم هو ابن عبد الله بن عمر.
والحديث أخرجه مسلم في العتق عن عمرو الناقد وابن أبي عمر. وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن حنبل. وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة وإسحاق بن إبراهيم فرقهما، الكل عن سفيان بن عيينة عن عمرو.
قوله: (سفيان عن عمرو)، وفي رواية الحميدي: عن سفيان حدثنا عمرو بن دينار عن سالم عن أبيه، وفي رواية النسائي من طريق إسحاق بن راهويه: عن سفيان عن عمرو أنه سمع سالم بن عبد الله بن عمر. قوله: (من أعتق) ظاهره العموم ولكنه مخصوص بالاتفاق، فلا يصح من المجنون ولا من الصبي ولا من المحجور عليه بسفه عند الشافعي، وأبو حنيفة لا يرى الحجر بسفه فتصح تصرفاته، وأبو يوسف ومحمد يريان الحجر على السفيه في تصرفات لا تصح مع الهزل: كالبيع والهبة والإجارة والصدقة، ولا يحجر عليه في غيرها: كالطلاق والعتاق، ولا يصح أيضا من المحجور عليه بسبب إفلاث عند الشافعي. قوله: (بين اثنين)، كالمثال لأنه لا فرق بين أن يكون بين اثنين أو أكثر. قوله: (فإن كان)، أي: المعتق (موسرا) يعني: صاحب يسار. قوله: (قوم) على صيغة المجهول، وفي رواية لمسلم والنسائي: قوم عليه قيمة عدل لا وكس ولا شطط، والوكس، بفتح الواو وسكون الكاف وبالسين المهملة: النقص، والشطط: الجور. قوله: (ثم يعتق)، أي: العبد.
وبهذا الحديث احتج الشافعي وأحمد وإسحاق وقالوا: إذا كان العبد بين اثنين فأعتقه أحدهما قوم عليه حصة شريكه، ويعتق العبد كله ولا يجب الضمان عليه إلا إذا كان موسرا، وتقرير مذهب الشافعي ما قاله في الجديد: إنه إذا كان المعتق لحصته من العبد موسرا عتق جميعه حين أعتقه، وهو حر من يومئذ يرث ويورث عنه، وله ولاؤه ولا سبيل للشريك على العبد، وعليه قيمة نصيب شريكه، كما لو قتله، وإن كان معسرا فالشريك على ملكه يقاسمه كسبه أو يخدمه يوما ويخلي لنفسه يوما، ولا سعاية عليه لظاهر الحديث. وعند أبي يوسف ومحمد: يسعى العبد في نصيب شريكه الذي لم يعتق إذا كان المعتق معسرا، ولا يرجع على العبد بشيء، وهو قول الشعبي والحسن البصري والأوزاعي وسعيد بن المسيب وقتادة، واحتجوا في ذلك بحديث أبي هريرة الذي سيأتي في الكتاب، فإنه رواه كما رواه ابن عمر، وزاد عليه حكم السعاية على ما سنبينه إن شاء الله تعالى. وأما أبو حنيفة فإنه كان يقول: إذا كان المعتق موسرا فالشريك بالخيار، إن شاء أعتق والولاء بينهما نصفان، وإن شاء استسعى العبد في نصف القيمة، فإذا أداها عتق والولاء بينهما نصفان، وإن شاء ضمن المعتق نصف القيمة