لأجل سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم. قوله: (الخطأ والنسيان)، أي: حكمهما في حق الله لا في حقوق العباد، لأن في حقه عذرا صالحا لسقوطه، حتى قيل إن الخاطىء لا يأثم، فلا يؤاخذ بحد ولا قصاص. وأما في حقوق العباد فلم يجعل عذرا حتى وجب ضمان العدوان على الخاطىء، لأنه ضمان مال لا جزاء فعل، ووجب به الدية وصح طلاقه وعتاقه.
8252 حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا مسعر عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تكلم.
.
قيل: لا مطابقة بين الحديث والترجمة، لأنه ليس فيه شيء يطابق الترجمة، لأن حديث أبي هريرة في وسوسة الصدور، ولو ذكر حديث ابن عباس المذكور الآن لكان أنسب، وأجاب الكرماني بشيء يقرب منه أخذ وجه المطابقة حيث قال: أولا: ما وجه تعلق الحديث بالوسوسة؟ ثم قال: قلت: القياس على الوسوسة، فكما أنها لا اعتبار لها عند عدم التوطين، فكذلك الناسي والمخطىء، لا توطين لهما.
ذكر رجاله وهم ستة: الأول: الحميدي، بضم الحاء نسبة إلى حميد، أحد أجداد الراوي، وهو عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبيد الله بن أسامة بن عبد الله بن الزبير بن حميد أبو بكر. الثاني: سفيان بن عيينة. الثالث: مسعر، بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملة: ابن كدام. الرابع: قتادة. الخامس: زرارة، بضم الزاي وتخفيف الراء: ابن أبي أوفى بلفظ: أفعل التفضيل العامري، مات فجاءة سنة ثلاث وتسعين، وقيل: كان يصلي صلاة الصبح فقرأ * (يا أيها المدثر) * (المدثر: 1). إلى أن بلغ * (فإذا نقر في الناقور) * (المدثر: 8). خر ميتا. السادس: أبو هريرة.
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع. وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع. وفيه: أن شيخه وشيخ شيخه مكيان، والحميدي قد مر في أول (الصحيح). وفيه: حدثنا الحميدي، ويروى: حدثني بصيغة الإفراد. وفيه: أن مسعرا وقتادة كوفيان، وأن زرارة بصري قاضي البصرة، وليس له في البخاري إلا أحاديث يسيرة. وفيه: عن زرارة، وفي الأيمان والنذور: حدثنا زرارة.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في الطلاق عن مسلم بن إبراهيم وفي النذور عن خلاد بن يحيى. وأخرجه مسلم في الإيمان عن قتيبة وسعيد بن منصور ومحمد بن عبيد وعن عمرو الناقد وزهير بن حرب وعن ابن المثنى وابن بشار وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن زهير بن حرب عن وكيع وعن إسحاق بن منصور. وأخرجه أبو داود في الطلاق عن مسلم بن إبراهيم به. وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة به. وأخرجه النسائي في الطلاق عن عبيد الله بن سعيد وعن موسى بن عبد الرحمان وأخرجه ابن ماجة فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة به وعن حميد بن مسعدة وعن هشام بن عمار.
ذكر معناه: قوله: (إن الله تجاوز لي عن أمتي) وفي رواية الترمذي: (تجاوز الله لأمتي). قوله: (لي) أي: لأجلي. قوله: (ما وسوست به صدورها)، جملة في محل النصب على المفعولية، وكلمة: ما، موصولة، و: وسوست، صلتها و: به، عائد و: صدورها، بالرفع فاعل وسوست، وفي رواية الأصيلي بالنصب على أن: وسوست، تضمن معنى: حدثت، ويأتي في الطلاق بلفظ: ما حدثت به أنفسها. وفي رواية الترمذي: عما حدثت به أنفسها. وفي رواية للنسائي: (إن الله تجاوز لأمتي ما وسوست به وحدثت به أنفسها). وقال الطحاوي: وأهل اللغة يقولون: أنفسها، بالضم يريدون بغير اختيارها، كما قال الله تعالى: * (ونعلم ما توسوس به نفسه) * (ق: 61). واعترض عليه بأن قوله: بالضم، ليس بجيد، بل الصواب: بالرفع، لأنها حركة إعراب. قلت: ليس هذا موضع المناقشة بالرد عليه لأن الرفع هو الضم في الأصل، غاية ما في الباب أن النحاة يستعملون في الإعراب الرفع، وفي البناء الضم، بل يستعمل