وبمثله يسقط. وأما الزمان: فمدته ثلاثون شهرا عند أبي حنيفة، وعندهما سنتان، وبه قال مالك والشافعي وأحمد، وعند زفر ثلاث سنين، وقال بعضهم: لا حد له للنصوص المطلقة، ولهما قوله تعالى: * (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) * (البقرة: 332). وقوله: * (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) * (الأحقاف: 51). وأقل مدة الحمل ستة أشهر. فبقي للفصال حولان. ولأبي حنيفة قوله تعالى: * (فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور) * (البقرة: 332). بعد قوله: * (والوالدات يرضعن) * (البقرة: 332). فثبت أن بعد الحولين رضاع، والمعنى فيه: أنه لا يمكن قطع الولد عن اللبن دفعة واحدة، فلا بد من زيادة مدة يعتاد فيها الصبي مع اللبن الفطام فيكون غذاؤه اللبن تارة وأخرى الطعام إلى أن ينسى اللبن، وأقل مدة تنتقل بها العادة ستة أشهر اعتبارا بمدة الحمل.
تابعه ابن مهدي عن سفيان أي: تابع محمد بن كثير عبد الرحمن بن مهدي في روايته الحديث عن سفيان الثوري، كما رواه ابن كثير عنه، وهذه المتابعة رواها مسلم عن زهير بن حرب عن ابن مهدي عن سفيان به.
8 ((باب شهادة القاذف والسارق والزاني)) أي: هذا باب في بيان حكم شهادة القاذف، وهو الذي يقذف أحدا بالزنا، وأصل القذف الرمي، يقال: قذف يقذف، من باب: ضرب يضرب، قذفا، فهو قاذف، ولم يصرح بالجواب لمكان الخلاف فيه.
وقول الله تعالى: * (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولائك هم الفاسقون إلا الذين تابوا) * (النور: 4 و 5).
وقول الله، مجرور عطفا على قوله: شهادة القاذف، وأوله قوله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا، فإن الله غفور رحيم) * (النور: 4 و 5). ظاهر الآية لا يدل على الشيء الذي به رموا المحصنات، وذكر الرامي لا يدل على الزنا، إذ قد يرميها بسرقة وشرب خمر، فلا بد من قرينة دالة على التعيين، وقد اتفق العلماء على أن المراد الرمي بالزنا، لقرائن دلت عليه، وهي تقدم ذكر الزنا وذكر المحصنات التي هي العفائف، يدل على أن المراد الرمي بضد العفاف. وقوله: * (ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) * (النور: 4 و 5). ومعلوم أن الشهود غير مشروط، إلا في الزنا، والإجماع على أنه لا يجب الجلد بالرمي بغير الزنا. قوله: * (فاجلدوهم) * (النور: 4 و 5). الخطاب للأئمة. قوله: * (إلا الذين تابوا) * (النور: 4 و 5). هذا استثناء منقطع، لأن التائبين غير داخلين في صدر الكلام، وهو قوله: * (وأولئك هم الفاسقون) * (النور: 4 و 5). إذ التوبة تجب ما قبلها من الذنوب، فلا يكون التائب فاسقا، وأما شهادته فلا تقبل أبدا عند الحنفية، لأن رد الشهادة من تتمة الحد، لأنه يصلح جزاء فيكون مشاركا للأول في كونه حدا. وقوله: * (وأولئك هم الفاسقون) * (النور: 4 و 5). لا يصلح جزاء، لأنه ليس بخطاب للأئمة، بل هو إخبار عن صفة قائمة بالقاذفين، فلا يصلح أن يكون من تمام الحد لأنه كلام مبتدأ على سبيل الاستئناف منقطع عما قبله لعدم صحة عطفه على ما سبق. لأن قوله: * (وأولئك هم الفاسقون) * (النور: 4 و 5). جملة إخبارية ليس بخطاب للأئمة، وما قبله جملة إنشائية خطاب للأئمة، وكذا قوله: * (ولا تقبلوا) * (النور: 4 و 5). جملة إنشائية، خطاب للأئمة، فيصلح أن يكون عطفا على قوله: * (فاجلدوا) * (النور: 4 و 5). والشافعي رحمه الله قطع قوله: * (ولا تقبلوا) * (النور: 4 و 5). عن قوله: * (فاجلدوا) * (النور: 4 و 5). مع دليل الاتصال، وهو كونه جملة إنشائية صالحة للجزاء، مفوضة إلى الأئمة مثل الألى وواصل قوله (وأولئك هم الفاسقون) مع قيانم دليل الانفصال وهو كونه جملة اسمية غير صالحة للجزاء ثم إنه إذا تاب قبلت شهادته عند الشافعي، وعند أبي حنيفة رد شهادته يتعلق باستيفاء الحد، فإذا شهد قبل الحد أو قبل تمام استيفائه قبلت شهادته، فإذا استوفى لم تقبل شهادته أبدا، وإن تاب وكان من الأبرار الأتقياء، وعند الشافعي رد شهادته متعلق بنفس القذف، فإذا تاب عن القذف بأن يرجع عنه عاد مقبول الشهادة، وكلاهما متمسك بالآية على الوجه الذي ذكرناه، وقال الشافعي: التوبة من القذف إكذابه نفسه، وقال الإصطخري: معناه أن يقول: كذبت فلا أعود إلى مثله. وقال أبو إسحاق: لا يقول كذبت، لأنه ربما كان صادقا، فيكون قوله: كذبت كذبا، والكذب معصية، والإتيان بالمعصية لا يكون توبة عن معصية أخرى، بل يقول: القذف باطل ندمت على ما قلت ورجعت عنه ولا أعود إليه. قوله: * (وأصلحوا) * (النور: 4 و 5). قال أصحابنا: إنه بعد التوبة لا بد