يقول: فحكمه أي: فحكم هذا المخبر حكم الشاهد في المعنى، ونحن أيضا نقول بذلك، ولكنه ليس بشهادة حقيقة إذ لو كانت شهادة حقيقة لما جاز الحكم بشهادة واحد في هلال رمضان، مع أنه يكتفي بشهادة واحد عند اعتلال المطلع بشيء، وهو قول عند الشافعي أيضا ورواية أحمد، والله تعالى تعبدنا بمن نرضى من الشهداء عند الشهادات الحقيقية، والإخبار بهلال رمضان ليس من ذلك، والله أعلم.
وكيف تعرف توبته وقد نفاى النبي صلى الله عليه وسلم الزاني سنة هذا من كلام البخاري، وهو من تمام الترجمة، قال الكرماني: هذا عطف على أول الترجمة، وكثيرا ما يفعل البخاري مثله، يردف ترجمة على ترجمة، وإن بعد ما بينهما. قوله: (وكيف تعرف توبته؟) أي: كيف تعرف توبة القاذف؟ وأشار بذلك إلى الاختلاف، فقال: أكثر السلف: لا بد أن يكذب نفسه، وبه قال الشافعي، روي ذلك عن عمر، رضي الله تعالى عنه، واختاره إسماعيل بن إسحاق. وقال: توبته أن يزداد خيرا ولم يشترط إكذاب نفسه في توبته، لجواز أن يكون صادقا في قذفه، وإلى هذا مال البخاري، كما نذكره الآن، وهو استدلاله على ذلك بقوله: وقد نفى النبي، صلى الله عليه وسلم الزاني سنة، أي: قد نفاه عن البلد، وهو التغريب، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه شرط على الزاني تكذيبه لنفسه واعترافه بأنه عصى الله، عز وجل، في مدة تغريبه، وسيأتي نفي الزاني موصولا في آخر الباب.
ونهاى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلام كعب بن مالك وصاحبيه حتى مضاى خمسون ليلة هذا أيضا من جملة ما يستدل به البخاري على ما ذهب إليه مثل ما ذهب مالك، بيانه أنه صلى الله عليه وسلم لما نهى عن كلام كعب بن مالك وصاحبيه هما مرارة بن الربيع وهلال بن أمية * (الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت) * (التوبة: 811). لم ينقل عنه أنه شرط عليهم ذلك في مدة الخمسين، وقصة كعب ستأتي بطولها في آخر تفسير براءة، وغزوة تبوك. وقال الكرماني: فإن قلت: ما وجه تعلق قصتهم بالباب؟ قلت: تخلفوا عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، والتخلف عنه بدون إذنه معصية، كالسرقة ونحوها.
8462 حدثنا إسماعيل قال حدثني ابن وهب عن يونس وقال الليث قال حدثني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير أن امرأة سرقت في غزوة الفتح فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر فقطعت يدها قالت عائشة فحسنت توبتها وتزوجت وكانت تأتي بعد ذالك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فحسنت توبتها)، لأن فيه دلالة على أن السارق إذا تاب وحسنت حاله تقبل شهادته، فالبخاري ألحق القاذف بالسارق لعدم الفارق عنده، ونقل الطحاوي الإجماع على قبول شهادة السارق إذا تاب، وذهب الأوزاعي والحسن بن صالح إلى أن المحدود في الخمر إذا تاب لا تقبل شهادته، وقد خالفا في ذلك جميع فقهاء الأمصار.
وإسماعيل هو ابن أبي أويس، وابن وهب هو عبد الله بن وهب، ويونس هو ابن يزيد الأيلي.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الحدود عن إسماعيل أيضا بإسناده، وفي غزوة الفتح عن محمد بن مقاتل. وأخرجه مسلم في الحدود عن أبي الطاهر وحرملة. وأخرجه أبو داود فيه عن محمد بن يحيى عن أبي صالح، وهو عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث. وأخرجه النسائي في القطع عن الحارث بن مسكين عن ابن وهب. وأما التعليق عن الليث فأخرجه أبو داود عن محمد بن يحيى بن فارس عن أبي صالح لكن بغير هذا اللفظ، وظهر أن هذا اللفظ لابن وهب.
قوله: (أن امرأة)، اسمها: فاطمة بنت الأسود. قوله: (ثم أمر بها فقطعت)، فيه حذف يعني: بعدما ثبت عند النبي، صلى الله عليه وسلم: بشروطه أمر بقطع يدها.
وفيه: أن المرأة كالرجل في حكم السرقة. وفيه: أن توبة السارق إذا حسنت لا ترد شهادته بعد ذلك.