عمدة القاري - العيني - ج ١٣ - الصفحة ١٤
ابن عبيد الله: مجلس الرجل ببابه مروءة. وقال ابن أبي خالد: رأيت الشعبي جالسا في الطريق.
وفيه: الدلالة على الندب إلى لزوم المنازل التي يسلم لازمها من رؤية ما تكره رؤيته، وسماع ما لا يحل له سماعه، وما يجب عليه إنكاره، ومن إغاثة مستغيث تلزمه إغاثته، وذلك أنه، صلى الله عليه وسلم، إنما أذن في الجلوس بالأفنية، والطرق بعد نهيه عنه إذا كان من يقوم بالمعاني التي ذكرها، وإذا كان كذلك فالأسواق التي تجمع المعاني التي أمر الشارع الجالس بالطرق باجتنابها، مع الأمور التي هي أوجب منها، وألزم من ترك الكذب والحلف بالباطل وتحسين السلع بما ليس فيها، وغش المسلمين وغير ذلك من المعاني التي لا يطيق الكلام بما يلزمه منها إلا من عصمه الله، أحق وأولى بترك الجلوس منها في الأفنية والطرق.
32 ((باب الآبار على الطرق إذا لم يتأذ بها)) أي: هذا باب في بيان حكم الآبار التي حفرت على الطريق إذا لم يتأذ بها، وهو على صيغة المجهول يعني: إذا لم يحصل منها أذى لأحد من المارين، والحكم لم يفهم من الترجمة ظاهرا، لكن من حديث الباب يفهم الحكم، وهو الجواز، لأن فيه منفعة للخلق والبهائم، غير أنه مقيد بشرط أن لا يكون في حفرها أذى لأحد، والآبار جمع: بئر، كالأجمال جمع حمل، وهو جمع القلة، والكثرة بئار، وذكرت في شرحي: أن البئر يجمع في القلة على أبؤر وآبار، بهمزة بعد الباء، ومن العرب من يقلب الهمزة ألفا فيقول: آبار، فإذا كثرت فهي: البئار، وقد بأرت بئرا، وقال أبو زيد: بأرت أبأر بأرا.
6642 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بينا رجل بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ هاذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ماء فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا يا رسول الله وإن لنا في البهائم لأجرا فقال في كل ذات كبد رطبة أجر.
.
مطابقته للترجمة من حيث إنه مشتمل على ذكر بئر في طريق، ولم يحصل منه إلا منفعة لآدمي وحيوان، وقد مر الحديث في كتاب الشرب في: باب فضل سقي الماء، فإنه أخرجه هناك بهذا الإسناد بعينه غير شيخه، فإنه رواه هناك: عن عبد الله بن ييوسف عن مالك، وهنا أخرجه: عن عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك، ومر الكلام فيه مستوفى. وقال المهلب: هذا يدل على أن حفر الآبار بحيث يجوز للحافر حفرها من أرض مباحة أو مملوكة له جائز، ولم يمنع ذلك لما فيه من البركة، وتلافي العطشان، ولذلك لم يكن ضامنا، لأنه قد يجوز مع الانتفاع بها إن يستضربها بساقط بليل، أو تقع فيها ماشية، لكنه لما كان ذلك نادرا، وكانت المنفعة أكثر، فغلب عليه حال الانتفاع على حال الاستضرار، فكان جبارا لا دية لمن هلك فيها.
42 ((باب إماطة الأذى)) أي: هذا باب في بيان أجر إماطة الأذى، أي: إزالته عن المسلمين. قال أبو عبيد عن الكسائي: مطت عنه الأذى وأمطته: نحيته، وكذلك: مطت غيري وأمطيته، وأنكر الأصمعي ذلك، وقال: مطت أنا وأمطت غيري، ومادته: ميم وياء وطاء.
وقال همام عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم يميط الأذاى عن الطريق صدقة
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»