عمدة القاري - العيني - ج ١٣ - الصفحة ٣
وليست معروفة، والصواب: القران. ثلاثي. وقال الفراء: لا يقال: أقرن، وقال غيره: إنما يقال: أقرن على الشيء إذا قوي عليه وأطاقه، ومنه قوله تعالى: * (وما كنا له مقرنين) * (الزخرف: 35). أي: مطيقين، وفي (الصحاح): أقرن الدم العرق واستقرن أي: كثر، فيحتمل أن يكون الإقران في هذا الحديث على ذلك، ويكون معناه النهي عن الإكثار من أكل التمر إذا كان مع غيره، ويرجع معناه إلى القران المذكور في الرواية الأخرى، ونقل المنذري عن أبي محمد المعافري أنه: يقال: قرن بين الشيئين وأقرن: إذا جمع بينهما. قوله: (ألا أن يستأذن الرجل منكم أخاه)، قال الخطيب: هذا من قول ابن عمر وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم، بين ذلك آدم بن أبي إياس وشبابة بن سوار عن شعبة، وقال عاصم بن علي: أرى الإذن من قول ابن عمر، قيل: يرد على هذا ما أخرجه البخاري بعد من حديث جبلة بن سحيم: سمعت ابن عمر يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرن الرجل بين التمرتين جميعا حتى يستأذن أصحابه). قلت: احتمال الإدراج باق فيه أيضا، فليتأمل.
ذكر ما يستفاد منه: فيه: النهي عن الإقران. قال أبو موسى المديني في كتابه (المغيث): للنهي عن القران وجهان: الأول: ذهبت عائشة وجابر، رضي الله تعالى عنهما، إلى أنه قبيح، وفيه شره وهلع وهو يزري بصاحبه. الثاني: كان التمر من جهة ابن الزبير وكان ملكهم فيه سواء، فيصير الذي يقرن أكثر أكلا من غيره، فأما إذا كان التمر ملكا له فله أن يأكل كما شاء، كما روي أن سالما كان يأكل التمر كفا كفا، وقيل: إذا كان الطعام بحيث يكون شبعا للجميع كان مباحا له لو أكله، وجاز له أن يأكل كما شاء. وقال القرطبي: وحمل أهل الظاهر هذا النهي على التحريم مطلقا. قال: وهو منهم ذهول عن مساق الحديث ومعناه. وحمله جمهور الفقهاء على حالة المشاركة بدليل مساق الحديث. وقال النووي: واختلفوا في أن هذا النهي على التحريم أو على الكراهة والأدب؟ والصواب: التفصيل كما سبق.
واختلف العلماء فيما يملك من الطعام حين وضعه، فإن قلنا: إنهم يملكونه بوضعه بين أيديهم فيحرم أن يأكل أحد أكثر من الآخر، وإن قلنا: إنما يملك كل واحد منهم ما رفع إلى فيه فهو سوء أدب وشره ودناءة، ويكون مكروها. وقال ابن التين: وحمله بعضهم على ما إذا استوت أثمانهم فيه مثل أن يتخارجوا في ثمنه أو يهبه لهم رجل أو يوصى لهم به، وأما إن أطعمهم هو، فروى ابن نافع عن مالك: لا بأس به، وفي رواية ابن وهب: ليس بجميل أن يأكل تمرتين أو ثلاثا في لقمة دونهم. فإن قلت: روى البزار والطبراني في (الأوسط) من رواية يزيد بن زريع عن عطاء الخراساني عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن الإقران في التمر، فإن الله قد وسع عليكم فأقرنوا) قلت: هذا الحديث رواه ابن شاهين أيضا في كتابه (الناسخ والمنسوخ)، ثم قال: الحديث الذي فيه النهي عن الإقران صحيح الإسناد، والذي فيه الإباحة ليس بذاك القوي، لأن في سنده اضطرابا، وإن صح فيحمل على أنه ناسخ للنهي. وقال الحازمي: وذكر الحديثين: إسناد الأول أصح وأشهر من الثاني، غير أن الخطب في هذا الباب يسير، لأنه ليس من باب العبادات والتكاليف، وإنما هو من قبيل المصالح الدنياوية فيكفي في ذلك الحديث الثاني، ثم يشيده إجماع الأمة على خلاف ذلك. وقيل: إن النبي، صلى الله عليه وسلم، إنما نهى عن ذلك حيث كان العيش زهيدا والقوت متعذرا مراعاة لجانب الفقراء والضعفاء والمساكين، وحثا على الإيثار والمواساة ورغبة في تعاطي أسباب المعدلة حالة الاجتماع والاشتراك، فلما وسع الله الخير وعم العيش الغني، والفقير، قال: فشأنكم إذا.
6542 حدثنا أبو النعمان قال حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي وائل عن أبي مسعود أن رجلا من الأنصار يقال له أبو شعيب كان له غلام لحام فقال له أبو شعيب اصنع لي طعام خمسة لعلي أدعو النبي صلى الله عليه وسلم خامس خمسة وأبصر في وجه النبي صلى الله عليه وسلم الجوع فدعاه فتبعهم رجل لم يدع فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن هاذا قد اتبعنا أتأذن له قال نعم.
مطابقته للترجمة في قوله: (أتأذن له؟ قال: نعم) فإن معنى الترجمة يشمل ذلك. وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي
(٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»