ثم استجار بالحرم والذي أنا فيه من القبيل الثاني. ومن فوائده أن لا يجوز قطع أغصان شجر مكة التي أنشأها الله فيها مما لا صنع فيه لبني آدم وإذا لم يجز قطع أغصانها فقطع شجرها أولى بالنهي وقام الإجماع كما قال ابن المنذر على تحريم قطع شجر الحرم. واختلفوا فيما يجب على قاطعها فقال مالك لا شيء عليه غير الاستغفار وهو مذهب عطاء وبه قال أبو ثور وذكر الطبري عن عمر مثل معناه وقال الشافعي عليه الجزاء في الجميع المحرم في ذلك والحلال سواء في الشجرة الكبيرة بقرة وفي الصغيرة شاة وفي الخشب وما أشبهه فيه قيمته بالغة ما بلغت وقال القرطبي خص الفقهاء الشجر المنهي عن قطعه بما ينبته الله تعالى من غير صنع آدمي فأما ما ينبت بمعالجة آدمي فاختلف فيه والجمهور على الجواز وقال الشافعي في الجميع الجزاء ورجحه ابن قدامة وقال ابن العربي اتفقوا على تحريم قطع شجر الحرم إلا أن الشافعي أجاز قطع السواك من فروع الشجرة كذا نقله أبو ثور عنه وأجاز أيضا أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرها ولا يهلكها وبهذا قال عطاء ومجاهد وغيرهما وأجازوا قطع الشوك بكونه يؤذي بطبعه فأشبه الفواسق ومنعه الجمهور وقال ابن قدامة ولا بأس بالانتفاع بما انكسر من الأغصان وانقطع من الشجر بغير صنع آدمي ولا بما يسقط من الورق نص عليه أحمد ولا نعلم فيه خلافا انتهى وأجمع كل من يحفظ عنه العلم على إباحة أخذ كل ما ينبته الناس في الحرم من البقول والزروع والرياحين وغيرها وفي التلويح واختلفوا في أخذ السواك من شجر الحرم فروينا عن مجاهد وعطاء وعمر بن عمير أنهم رخصوا في ذلك. ومن فوائده جواز إخبار الرجل عن نفسه بما يقتضي به ثقته وضبطه لما سمعه. ومنها إنكار العالم على الحاكم ما يغيره من أمر الدين والموعظة بلطف وتدريج. ومنها الاقتصار في الإنكار على اللسان إذا لم يستطع باليد. ومنها وقوع التأكيد في الكلام البليغ. ومنها جواز المجادلة في الأمور الدينية. ومنها الخروج عن عهدة التبليغ والصبر على المكاره إذا لم يستطع بدا من ذلك. ومنها جواز قبول خبر الواحد لأنه معلوم أن كل من شهد الخطبة قد لزمه الإبلاغ وأنه لم يأمرهم بإبلاغ الغائب عنهم ألا وهو لازم له فرض العمل بما أبلغه كالذي لزم السامع سواء وإلا لم يكن بالأمر بالتبليغ فائدة. ومنها أن الحرم لا يعيذ عاصيا. وفيه القول للعلماء وحجج قد ذكرناها في كتاب العلم والله أعلم بحقيقة الحال وإليه المرجع والمآل 9 ((باب لا ينفر صيد الحرم)) أي: هذا باب يذكر فيه: لا ينفر صيد الحرم، وينفر على صيغة المجهول من التنفير، قيل: هو كناية عن الاصطياد، وقيل: على ظاهره، وقال النووي: يحرم التنفير وهو الإزعاج عن موضعه، فإن نفره عصي، سواء تلف أو لا، فإن تلف في نفاره قبل سكونه ضمن، وإلا فلا، ويستفاد من النهي عن التنفير تحريم الإتلاف بالطريق الأولى.
3381 حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الوهاب قال حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله حرم مكة فلم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرف وقال العباس يا رسول الله إلا الإذخر لصاغتنا وقبورنا فقال إلا الأذخر.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (ولا ينفر صيدها)، وهذا الحديث قد مر في كتاب الجنائز في: باب الإذخر والحشيش في القبر، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن عبد الله بن حوشب عن عبد الوهاب وهو الثقفي عن خالد هو الحذاء، وههنا أخرجه عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب إلى آخره، وقد ذكرنا هناك ما يتعلق به. قوله: (فلم تحل لأحد بعدي)، وفي رواية الكشميهني: (فلا تحل) وفي الباب الذي بعده: (وأنه لم يحل القتال فيه لأحد بعدي). وعند البخاري في أوائل البيع من طريق خالد الطحان عن خالد الحذاء بلفظ: (فلم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي)، ومثله عند أحمد من طريق وهب عن خالد، وقال ابن بطال: