عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ٢٩٤
وليس الأمر على ما قالوه، لأن من حمل اللفظ على حقيقته اللسانية التي هي الأصل إذا لم يتبين له دليل التجوز لم يستحق ذما ولا ينسب إلى جهل، وإنما عنى والله أعلم إن وسادك إن كان يغطي الخيطين اللذين أراد الله فهو إذا عريض واسع، ولهذه قال في إثر ذلك: إنما هو سواد الليل وبياض النهار، فكأنه قال: فكيف يدخلان تحت وسادتك؟ وقوله: (إنك لعريض القفا)، أي: إن الوساد الذي يغطي الليل والنهار لا يرقد عليه إلا قفا عريض للمناسبة.
ذكر الأسئلة والأجوبة منها ما قيل: إن قوله: * (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض...) * (البقرة: 781). إلى آخره، يقتضي ظاهره أن عدي بن حاتم كان حاضرا لما نزلت هذه الآية، وهو يقتضي تقدم إسلامه، وليس الأمر كذلك، لأن نزول فرض الصوم كان متقدما في أوائل الهجرة، وإسلام عدي كان في التاسعة أو العاشرة، كما ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي قلت: أجابوا بأربعة أجوبة: الأول: إن الآية التي في حديث الباب تأخر نزولها عن نزول فرض الصوم، وهذا بعيد جدا. الثاني: أن يؤول قول عدي هذا على أن المراد بقوله: (لما نزلت)، أي: لما تليت علي عند إسلامي. الثالث: أن المعنى: لما بلغني نزول الآية عمدت إلى عقالين. الرابع: يقدر فيه حذف تقديره، لما نزلت الآية، ثم قدمت وأسلمت وتعلمت الشرائع، عمدت، وهذا أحسن الوجوه، ويؤيده ما رواه أحمد من طريق مجالد بلفظ: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة والصيام، فقال: صل كذا وصم كذا، فإذا غابت الشمس فكل حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود، قال: فأخذت خيطين...) الحديث.
ومنها ما قيل:
إن قوله: * (من الفجر) * (البقرة: 781). نزل بعد قوله: * (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) * (البقرة: 781). وكان هذا بيانا لهم إن المراد به أن يتميز بياض النهار من سواد الليل، فكيف يجوز تأخير البيان مع الحاجة إليه مع بقاء التكليف؟ أجيب: بأن البيان كان موجودا فيه، لكن على وجه لا يدركه جميع الناس، وإنما كان على وجه يختص به أكثرهم أو بعضهم، وليس يلزم أن يكون البيان مكشوفا في درجة يطلع عليها كل أحد، ألا ترى أنه لم يقع فيه إلا عدي وحده، ويقال: كان استعمال الخيطين في الليل والنهار شائعا غير محتاج إلى البيان، وكان ذلك اسما لسواد الليل وبياض النهار في الجاهلية قبل الإسلام، قال أبو داود الإيادي:
* ولما أضاءت لنا ظلمة * ولاح لنا الصبح خيطا أنارا * فاشتبه على بعضهم فحملوه على العقالين، وقال النووي: فعل ذلك من لم يكن ملازما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو من الأعراب، ومن لا فقه عنده أو لم يكن من لغته استعمالها في الليل والنهار.
ومنها ما قيل: إن قوله: * (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) * (البقرة: 781). من باب الاستعارة أم من باب التشبيه؟ أجيب: بأن قوله: * (من الفجر) * أخرجه من باب الاستعارة، وقد نقلنا هذا عن الزمخشري في أوائل الباب.
ومنها ما قيل: إن الاستعارة أبلغ فلم عدل إلى التشبيه؟ أجيب: بأن التشبيه الكامل أولى من الاستعارة الناقصة، وهي ناقصة لفوات شرط حسنها، وهو أن يكون التشبيه بين المستعار له والمستعار منه جليا بنفسه معروفا بين سائر الأقوام، وهذا قد كان مشتبها على بعضهم.
7191 حدثنا سعيد بن أبي مريم قال حدثنا ابن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد ح قال حدثني سعيد بن أبي مريم قال حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف قال حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال أنزلت * (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) * (البقرة: 781). ولم ينزل من الفجر فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود ولم يزل يأكل حتى يتبين له رؤيتهما فأنزل الله بعد من الفجر فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار.
(الحديث 7191 طرفه في: 1154).
مطابقته للترجمة ظاهرة.
ذكر رجاله: وهم خمسة: الأول: سعيد بن أبي مريم هو سعيد بن محمد الحكم بن
(٢٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 ... » »»