قال: وقد خالف الزمخشري بهذا القول جميع الرواة، وقال ابن الأثير: المشهور بالنون والصاد المهملة. فإن قلت: لما قال الأعرابي أقلني لم لم يقله؟ قلت: لأنه لا يجوز لمن أسلم أن يترك الإسلام، ولا لمن هاجر إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، أن يترك الهجرة ويذهب إلى وطنه، وهذا الأعرابي كان ممن هاجر وبايع النبي، صلى الله عليه وسلم، على المقام عنده، قال عياض: ويحتمل أن بيعته كانت بعد الفتح وسقوط الهجرة إليه، وإنما بايع على الإسلام وطلب الإقالة فلم يقله، وقال ابن بطال: والدليل على أنه لم يرد الإرتداد عن الإسلام أنه لم يرد حل ما عقده إلا بموافقة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولو كان خروجه عن المدينة خروجا عن الإسلام لقتله حين ذاك، ولكنه خرج عاصيا. ورأى أنه معذور لما نزل به من الحمى، ولعله لم يعلم أن الهجرة فرض عليه، وكان من الذين قال الله تعالى فيهم: * (وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله) * (التوبة: 79). فإن قلت: إن المنافقين قد سكنوا المدينة وماتوا فيها ولم تنفهم؟ قلت: كانت المدينة دارهم أصلا ولم يسكنوها بالإسلام ولا حباله، وإنما سكنوها لما فيها من أصل معاشهم، ولم يرد صلى الله عليه وسلم بضرب المثل إلا من عقد الإسلام راغبا فيه ثم خبث قلبه.
456 - (حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت عن عبد الله بن يزيد قال سمعت زيد بن ثابت رضي الله عنه يقول لما خرج النبي إلى أحد رجع ناس من أصحابه فقالت فرقة نقتلهم وقالت فرقة لا نقتلهم فنزلت * (فما لكم في المنافقين فئتين) * وقال النبي إنها تنفي الرجال كما تنفي النار خبث الحديد).
مطابقته للترجمة في قوله ' كما تنفي النار خبث الحديد ' وهو ظاهر. ورجاله قد تقدموا وعبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري الصحابي وفيه رواية الصحابي عن الصحابي في نسق واحد وكلاهما أنصاريان والحديث أخرجه في المغازي عن أبي الوليد وفي التفسير عن محمد بن بشار وأخرجه في المناسك وقد ذكر المنافقين عن عبد الله بن معاذ عن أبيه وفي ذكر المنافقين عن زهير بن حرب وعن أبي بكر بن نافع عن غندر الكل عن شعبة وأخرجه الترمذي والنسائي جميعا في التفسير عن محمد بن بشار عن غندر به قوله ' إلى أحد ' كانت غزوة أحد يوم السبت في منتصف شوال عام ثلاث من الهجرة وقال البلاذري لتسع خلون منه والأول أشهر وهو قول الزهري وقتادة وموسى بن عقبة قوله ' رجع ناس من أصحابه ' أي من أصحاب النبي وقال موسى بن عقبة خرج رسول الله والمسلمون فسلكوا على البدائع وهم ألف رجل والمشركون ثلاثة آلاف فمضى رسول الله حتى نزل بأحد ورجع عنه عبد الله ابن أبي بن سلول في ثلاثمائة فبقي رسول الله في سبعمائة قال البيهقي هذا هو المشهور عند أهل المغازي أنهم بقوا في سبعمائة قال والمشهور عن الزهري أنهم بقوا في أربعمائة مقاتل وقال موسى بن عقبة وكان على خيل المشركين خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه وكان معهم مائة فرس وكان لواؤهم مع عثمان بن طلحة بن أبي طلحة قال ولم يكن مع المسلمين فرس واحد وقال الواقدي وعدة أصحاب رسول الله سبعمائة ذراع ولم يكن معهم من الخيل سوى فرسين فرس لرسول الله وفرس لأبي بردة قوله ' قالت فرقة نقتلهم ' أي نقتل الراجعين وقالت فرقة لا نقتلهم فلما اختلفوا أنزل الله تعالى * (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) * وهذه الآية الكريمة في النساء واختلفوا في سبب نزولها فقيل في هؤلاء الذين رجعوا من غزوة أحد بعد أن خرجوا مع رسول الله وقيل في قوم استئذنوا رسول الله في الخروج إلى البدو معتلين باجتواء المدينة فلما خرجوا لم يزالوا راحلين مرحلة حتى لحقوا بالمشركين فاختلف المسلمون فيهم فقال بعضهم هم كفار وقال بعضهم هم مسلمون وقيل كانوا قوما هاجروا من مكة ثم بدا لهم فرجعوا وكتبوا إلى رسول الله إنا على دينك وما أخرجنا إلا اجتواء المدينة والاشتياق إلى بلدنا وقيل هم العرنيون الذين أغاروا على السرح وقتلوا يسارا وقيل هم قوم أظهروا الإسلام وقعدوا عن الهجرة