عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ١٤١
مالك والشافعي. والثالث: قول ابن الزبير وعروة بن الزبير: إن المرض والعدو سواء لا يحل إلا بالطواف، ولا نعلم لهما موافقا من فقهاء الأمصار. وفي (شرح الموطأ): مذهب مالك والشافعي أن المحصر بالمرض لا يحل دون البيت، وسواء عند مالك شرط عند إحرامه التحلل للمرض أو لم يشترط. وقال الشافعي: له شرطه. وقال أبو عمر: الإحصار عند أهل العلم على وجوه: منها: المحصر بالعدو. ومنها: بالسلطان الجائر. ومنها: المرض وشبهه. فقال مالك والشافعي وأصحابهما: من أحصره المرض فلا يحله إلا الطواف بالبيت، ومن حصر بعدو فإنه ينحر هديه حيث حصر ويتحلل وينصرف ولا قضاء عليه إلا أن تكون ضرورة فيحج الفريضة، ولا خلاف بين الشافعي ومالك وأصحابهما في ذلك. وقال ابن وهب وغيره: كل من حبس عن الحج بعدما يحرم بمرض أو حصار من العدو أو خاف عليه الهلاك فهو محصر، فعليه ما على المحصر، ولا يحل دون البيت، وكذلك من أصابه كسر وبطن متحرق. وقال مالك: أهل مكة في ذلك كأهل الآفاق، لأن الإحصار عنده في المكي الحبس عن عرفة خاصة، قال: فإن احتاج المريض إلى دواء تداوى به وافتدى، وهو على إحرامه لا يحل من شيء منه حتى يبرأ من مرضه، فإذا برئ من مرضه مضى إلى البيت فطاف به سبعا وسعى بين الصفا والمروة وحل من حجه أو عمرته. وقال أبو عمر: هذا كله قول الشافعي أيضا. وقال الطحاوي، رحمه الله: إذا نحر المحصر هديه هل يحلق رأسه أم لا؟ فقال قوم: ليس عليه أن يحلق لأنه قد ذهب عنه النسك كله، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد. وقال آخرون: بل يحلق فإن لم يحلق فلا شيء عليه، وهذا قول أبي يوسف. وقال آخرون: يحلق ويجب عليه ما يجب على الحاج والمعتمر، وهو قول مالك.
النوع الخامس في الاحتجاجات في هذا الباب: احتج الشافعي ومن تابعه في هذا الباب بما رواه ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس وابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس وابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس: لا حصر إلا حصر العدو، ورواه الشافعي في (مسنده) عن ابن عباس: لا حصر إلا حصر العدو. فأما من أصابه مرض أو وجع أو ضلال فليس عليه شيء. قال: وروي عن ابن عمر وطاووس والزهري وزيد بن أسلم نحو ذلك، واحتج أبو حنيفة ومن تابعه في ذلك بما رواه الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى، قال: فذكرت ذلك لابن عباس وأبي هريرة، فقالا: صدق). فقد أخرجه الأربعة من حديث يحيى بن أبي كثير به. وفي رواية لأبي داود وابن ماجة: (من عرج أو كسر أو مرض)، فذكر معناه، ورواه عبد بن حميد في (تفسيره)، ثم قال: وروي عن ابن مسعود وابن الزبير وعلقمة وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير ومجاهد والنخعي وعطاء ومقاتل بن حبان أنهم قالوا: بالإحصار من عدو أو مرض أو كسر. وقال النووي: الإحصار من كل شيء آذاه قلت: وفي المسألة قول ثالث حكاه ابن جرير وغيره، وهو أنه: لا حصر بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
النوع السادس: في حكم الهدي: فقال ابن عباس: من الأزواج الثمانية من الإبل والبقر والمعز والضأن. وقال الثوري عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: * (فما استيسر من الهدي) * (البقرة: 691). قال شاة، وكذا قال عطاء ومجاهد وطاووس وأبو العالية ومحمد بن الحسين وعبد الرحمن بن القاسم والشعبي والنخعي والحسن وقتادة والضحاك ومقاتل بن حبان مثل ذلك، وهو مذهب الأئمة الأربعة. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد عن القاسم عن عائشة وابن عمر أنهما كانا لا يريان ما استيسر من الهدي إلا من الإبل والبقر وقد روي عن سالم والقاسم وعروة بن الزبير وسعيد بن جبير نحو ذلك، وقيل: الظاهر أن مستند هؤلاء فيما ذهبوا إليه قصة الحديبية، فإنه لم ينقل عن أحد منهم إنه ذبح في تحلله ذاك شاة، وإنما ذبحوا الإبل والبقر. ففي (الصحيحين): (عن جابر، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر، كل سبعة منا في بقرة). وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس في قوله تعالى: * (فما استيسر من الهدي) * (البقرة: 691). قال: بقدر يسارته. وقال العوفي عن ابن عباس: إن كان موسرا فمن الإبل، وإلا فمن البقر، وإلا فمن الغنم.
(١٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 ... » »»