عن مجاهد أنهم كانوا لا يبيعون ولا يبتاعون في الجاهلية بعرفة ولا منى.
وأما مجنة، فهي: بفتح الميم والجيم وتشديد النون، وهي على أميال: مسيرة من مكة بناحية مر الظهران، ويقال: هي على بريد من مكة، وهي لكنانة وبأرضها، وشامة وطفيل جبلان مشرفان عليها، سميت بها لبساتين تتصل بها، وهي الجنان، ويحتمل أن يكون من مجن يمجن، سميت بذلك لأن ضربا من المجون كان بها.
وأما حباشة: فهي بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف شين معجمة، وكانت بأرض بارق نحو قنونا، بفتح القاف وضم النون المخففة وبعد الواو الساكنة نون أخرى، مقصورة من مكة إلى جهة اليمن على ست مراحل، ولم يذكر هذا في الحديث لأنه لم يكن من مواسم الحج، وإنما كان يقام في شهر رجب. وقال الرشاطي: هي أكبر أسواق تهامة. كان يقوم ثمانية أيام في السنة. قال حكيم بن حزام، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضرها واشتريت منه فيها بزا من بز تهامة، وقال الفاكهي: ولم تزل هذه الأسواق قائمة في الإسلام إلى أن كان أول من ترك منها سوق عكاظ في زمن الخوارج سنة تسع وعشرين ومائة، وآخر ما ترك منها سوق حباشة في زمن داود بن عيسى بن موسى العباسي في سنة سبع وتسعين ومائة، وروى الزبير بن بكار في (كتاب النسب) من طريق حكيم بن حزام أنها، أي: سوق عكاظ، كانت تقام صبح هلال ذي القعدة إلى أن يمضي عشرون يوما، قال: ثم يقوم سوق مجنة عشرة أيام إلى هلال ذي الحجة، ثم يقوم سوق ذو المجاز ثمانية أيام ثم يتوجهون إلى منى للحج، وفي حديث أبي الزبير (عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في الموسم بمجنة وعكاظ يبلغ رسالات ربه...) الحديث. أخرجه أحمد وغيره.
0771 حدثنا عثمان بن الهيثم أخبرنا ابن جريج قال عمرو بن دينار قال ابن عباس رضي الله عنهما كان ذو المجاز وعكاظ متجر الناس في الجاهلية فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذالك حتى نزلت * (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) * في مواسم الحج. (البقرة: 891).
.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وعثمان بن الهيثم، بفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة: أبو عمرو المؤذن البصري، مات سنة عشرين ومائتين. وهو من أفراد البخاري، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز المكي.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في البيوع عن عبد الله بن محمد وعلي بن عبد الله، وفي التفسير عن محمد، ثلاثتهم عن سفيان عنه به.
قوله: (متجر الناس)، بفتح الميم أي: مكان تجارتهم، وفي رواية ابن عيينة: أسواقا في الجاهلية. قوله: (كأنهم) أي: كان المسلمين. قوله: (كرهوا ذلك)، وفي رواية ابن عيينة: (فكأنهم تأثموا). أي: خشبوا الوقوع في الإثم للاشتغال في أيام النسك بغير العبادة. قوله: (حتى نزلت * (ليس عليكم جناح) *) (البقرة: 891). وروى أبو داود وغيره من حديث يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس، قالوا: كانوا يتقون البيوع والتجارة في الموسم والحج، يقولون: أيام ذكر، فأنزل الله تعالى: * (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) * (البقرة: 891). وقال ابن جرير: حدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا هيثم أخبرنا حجاج عن عطاء عن ابن عباس أنه قال: * (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) * (البقرة: 891). في مواسم الحج، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية: لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الإحرام وبعده، وهكذا روى العوفي عن ابن عباس. قوله: (في مواسم الحج) هذه قراءة ابن عباس، قال وكيع: حدثنا طلحة بن عمرو الحضرمي عن عطاء عن ابن عباس أنه كان يقرأ * (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) * (البقرة: 891). في مواسم الحج ورواه عبد بن حميد عن محمد بن الفضل عن حماد بن زيد عن عبد الله ابن أبي زيد: سمعت ابن الزبير يقرأ، فذكر مثله سواء، وهكذا فسرها مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة ومنصور بن المعتمر وقتادة وإبراهيم النخعي والربيع بن أنس وغيرهم. وقال الكرماني: قوله: (في مواسم الحج) كلام الراوي ذكره تفسيرا للآية الكريمة، وقال بعضهم: فاته ما زاده المصنف في آخر حديث ابن عيينة في البيوع. قرأها ابن عباس ورواه ابن أبي عمر في (مسنده) عن ابن عيينة. وقال في آخره: وكذلك كان ابن عباس يقرؤها. انتهى. قلت: نعم، ذهل الكرماني عن هذا، ولكن قوله ذكره تفسيرا للآية الكريمة له وجه، لأن مجاهدا ومن ذكرناهم معه فسروها هكذا فجعلوها تفسيرا ولم يجعلوها قراءة، ومع هذا على تقدير كونها قراءة فهي من القراءة الشاذة وحكمها عند الأئمة حكم التفسير. وقال أحمد: حدثنا أسباط