عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ١٢٦
عن مالك، وإن أوصى به، وفي (مصنف) ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه قال: لا يحج أحد عن أحد، ولا يصم أحد عن أحد، وكذا قال إبراهيم النخعي وقال الشافعي والجمهور: يجوز الحج عن الميت عن فرضه ونذره، سواء أوصى به أو لم يوص، وهو واجب في تركته. وقال صاحب (التوضيح): وعندنا يجوز الاستنابة في حجة التطوع على أصح القولين، والحديث حجة على الحسن بن حي في قوله: إن المرأة لا يجوز أن تحج عن الرجل، وهو حجة لمن أجازه.
وقال الخطابي: فيه: جواز الحج عن غيره إذا كان معضوبا، ولم يجزه مالك، وهو راوي الحديث، وهو حجة عليه. وقال صاحب (الهداية): الأصل أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة أو صدقة أو صوما أو غيرها، عند أهل السنة والجماعة، لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه ضحى بكبشين أحدهما عن نفسه، والآخر عن أمته.
والعبادات أنواع: مالية محضة، كالزكاة، وبدنية: كالصلاة، ومركب منهما: كالحج، والنيابة تجزىء في النوع الأول ولا تجزىء في الثاني بحال، وتجزيء في النوع الثالث عند العجز، ولا تجزيء عند القدرة، والشرط العجز الدائم إلى وقت الموت، وظاهر المذهب أن الحج يقع عن المحجوج عنه لحديث الخثعمية، وعند محمد: أن الحج يقع عن الحاج، وللآخر ثواب النفقة. وقال ابن بطال: اختلفوا في المريض يأمر بمن يحج عنه، ثم يصح بعد ذلك فقال الكوفيون والشافعي وأبو ثور: لا يجزيه، وعليه أن يحج. وقال أحمد وإسحاق: يجزيه الحج عنه، وكذا من مات من مرضه وقد حج عنه، فقال الكوفيون وأبو ثور: يجزيه عن حجة الإسلام. وللشافعي قولان: أحدهما هذا، والآخر: لا يجزيء عنه وهو أصح القولين.
وقال ابن عبد البر: اختلف أهل العلم في معنى هذا الحديث، فإن جماعة منهم ذهبوا إلى أن هذا الحديث مخصوص به أبو الخثعمية لا يجوز أن يتعدى به إلى غيره بدليل قوله تعالى: * (من استطاع إليه سبيلا) * وإن الأصل في الاستطاعة هي القوة في البدن قال تعالى (فما اسطاعوا أن يظهروه وما اسطاعوا له نقبا (آل عمران: 79). وكان أبوها ممن لا يستطيع فلم يكن عليه الحج، فلما لم يكن عليه لعدم استطاعته كانت ابنته مخصوصة بذلك الجواب، وممن قال ذلك مالك وأصحابه لأن الحج عندهم من عمل البدن فلا ينوب فيه أحد عن أحد قياسا على الصلاة، وذكر ابن حزم من حديث إبراهيم بن محمد العدوي أن امرأة قالت: إن أبي شيخ كبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حجي عنه، وليس لأحد بعده، وكذا رواه محمد بن حبان الأنصاري أن امرأة قالت... الحديث، وفيه: ليس لأحد بعده، وضعفهما بالإرسال وغيره. وقال ابن التين: الاستطاعة أن يقدر على الوصول إلى البيت من غير خروج عن عادة، فمن كان عادته السفر ماشيا لزمه أن يمشي، وإن لم يجد راحلة، ومن كان عادته تكفف الناس وأمكنه التوصل به لزمه، وإن لم يجد زادا، ومن عادته الركوب والغناء عن الناس لم يلزمه حج إلا بوجدان ذلك، وقال ابن بطال: وإلى هذا ذهب ابن الزبير وعكرمة والضحاك، وعند أبي حنيفة والشافعي: لا يلزم إلا من وجد زادا وراحلة، وهو قول الحسن ومجاهد وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير وأحمد وإسحاق وعبد العزيز بن أبي سلمة وسحنون، وظاهر قول ابن حبيب. وقال القرطبي: مالك وأصحابه رأوا أن ظاهر حديث الخثعمية مخالف لقوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) * (آل عمران: 79). أي: ما قدروا ولاقووا، فإذا قال القائل: فلان مستطيع أو غير مستطيع، فالظاهر منه السابق إلى الفهم هي القدرة وإتيانها، فلما عارض ظاهر الحديث ظاهر القرآن العزيز رجح مالك ظاهر القرآن، والجواب أن حديث الزاد والراحلة روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه، منها صحيح ومنها حسن.
فإن قلت: قال ابن حزم: الأخبار في ذلك في أحدها إبراهيم الجوزي وهو ساقط مطروح، وفي الثاني: الحارث الأعور، وهو مذكور بالكذب. والثالث: مرسل ولا حجة فيه، والروايات في ذلك عن الصحابة واهية كلها، وتبعه على ذلك ابن العربي وغيره، وقال أبو عمر: روي ذلك من وجوه منها: مرسلة. ومنها: ضعيفة، والجواب عن هذا أن حديث أنس الذي مضى ذكره في أول باب وجوب الحج أخرجه الحاكم على شرط مسلم وهو حديث صحيح. فإن قلت: قال البيهقي، وذكر رواية حماد وسعيد: لا أرى إلا وهما لأن ابن أبي عروبة روى عن قتادة عن الحسن مرسلا وهو المحفوظ، وكذا رواه يونس بن عبيد. قلت: هذا ظن منه وتوهم من غير جزم ، والظن لا تضعف به الأحاديث ولا تقوى. وقوله: وكذا رواه يونس غير موجه لأن الدارقطني روى من حديث حصين بن مخارق عنه عن الحسن عن أنس، رضي الله تعالى عنه، الحديث مسندا بلفظ: (يا رسول الله! ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة). فإن قلت: قال ابن المنذر: الحديث
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»