عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ١٣٠
آخره هاء وهي شجرة منها يحرم أهل المدينة. وهي من المدينة على أربعة أميال ومن مكة على مائتي ميل غير ميلين، وقيل: بينها وبين المدينة ميل أو ميلان والميل ثلث فرسخ وهو أربعة آلاف ذراع، وبذي الحليفة عدة آبار ومسجدان لرسول الله صلى الله عليه وسلم: المسجد الكبير الذي يحرم منه الناس، والمسجد الآخر: مسجد المعرس. وقال ابن التين: هي أبعد المواقيت من مكة تعظيما لإحرام النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (ثم يهل)، بضم الياء: من الإهلال، وهو رفع الصوت بالتلبية. قوله: (حتى تستوي) أي: الراحلة. قوله: (قائمة)، نصب على الحال.
ذكر ما يستفاد منه فيه: الركوب في سفر الحج والركوب فيه والمشي سواء في الإباحة، والكلام في الأفضلية، فقال قوم: الركوب أفضل اتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم ولفضل النفقة فإن النفقة فيه كالنفقة في سبيل الله سبعمائة ضعف، كما أخرجه أحمد من حديث بريدة، وصحح جماعة أن المشي أفضل وبه قال إسحاق لأنه أشد على النفس، وفي حديث صححه الحاكم من حديث ابن عباس مرفوعا: (من حج إلى مكة ماشيا حتى رجع كتب له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم، قيل: وما حسنات الحرم؟ قال: كل حسنة بمائة ألف حسنة). وروى محمد بن كعب عن ابن عباس، قال: ما فاتني شيء أشد علي إلا أن أكون حججت ماشيا، لأن الله تعالى يقول: * (يأتوك رجالا وعلى كل ضامر) * (الحج: 72). أي: ركبانا، فبدأ بالرجال قبل الركبان، وذكر إسماعيل ابن إسحاق عن مجاهد قال: أهبط آدم صلى الله عليه وسلم بالهند فحج على قدميه البيت أربعين حجة، وعن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن إبراهيم وإسماعيل، عليهما الصلاة والسلام، حجا ماشيين، وحج الحسن بن علي، رضي الله تعالى عنهما، خمسة وعشرين حجة ماشيا وأن النجائب لتقاد بين يديه، وفعله ابن جريج والثوري. وفي (المستدرك) من حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله تعالى عنه، قال: (حج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه مشاة من المدينة إلى مكة، ثم قال اربطوا على أوساطكم مآزركم وامشوا مشيا خلط الهرولة). ثم قال: صحيح الإسناد.
وفيه: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أهل حين استوت راحلته قائمة، واستواؤها كمال قيامها، وبه احتج مالك وأكثر الفقهاء على أن يهل الراكب إذا استوت به راحلته قائمة، واستحب أبو حنيفة أن يكون إهلاله عقيب الصلاة إذا سلم منها، وقال الشافعي: يهل إذا أخذت ناقته في المشي، ومن كان يركب راحلته قائمة كما يفعله كثير من الحاج اليوم فيهل على مذهب مالك إذا استوى عليها راكبا. وقال عياض: جاء في رواية: (أهل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا استوت الناقة). وفي رواية أخرى: (حتى إذا استوت به صلى الله عليه وسلم راحلته)، وفي أخرى (حتى تنبعث به صلى الله عليه وسلم ناقته)، ولا يفهم منه أخذها في المشي وقال أكثر أصحاب مالك يستحب أن يهل إذا استوت به ناقته إن كان راكبا وإن كان راجلا فحين يأخذ في المشي، وقال الشافعي: إن كان راكبا فكذلك.
5151 حدثنا إبراهيم قال أخبرنا الوليد قال حدثنا الأوزاعي سمع عطاء يحدث عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة حين استوت به راحلته.
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قصد الحج راكبا، وهو مطابق لقوله: * (وعلى كل ضامر) * (الحج: 72).
ذكر رجاله: وهم: خمسة: الأول: إبراهيم بن موسى بن يزيد بن زادان التميمي الفراء أبو إسحاق تقدم في: باب غسل الحائض رأسها. الثاني: الوليد بن مسلم القرشي الأموي. مر في: باب وقت المغرب. الثالث: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي. الرابع: عطاء بن أبي رباح، وإن كان عطاء بن يسار روى عن جابر، لكن الأوزاعي لم يرو إلا عن أبي رباح. الخامس: جابر بن عبد الله، رضي الله تعالى عنه.
ذكر لطائف إسناده: فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإخبار كذلك في موضع. وفيه: السماع. وفيه: العنعنة في موضع. وفيه: التحديث بصيغة الإفراد في موضع. وفيه: أن شيخه مذكور في رواية الأكثرين بلا نسبة
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»