عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ١٢٩
وقد ضمر من طول الطريق، وضامر بغير هاء يستعمل للمذكر والمؤنث. وقال النسفي في (تفسيره) * (وعلى كل ضامر) * (الحج: 72). حال معطوفة على: رجال، كأنه قيل: رجالا وركبانا، والضامر البعير المهزول. قوله: * (يأتين) * (الحج: 72). صفة لكل ضامر، لأن: كل ضامر، في معنى الجمع أراد النوق. قوله: * (من كل فج عميق) * (الحج: 72). أي: من كل طريق بعيد، ومنه قيل: بئر عميقة. وقرأ ابن مسعود: معيق، فقال: بئر بعيدة القعر. قوله: * (ليشهدوا) * (الحج: 72). أي: ليحضروا منافع لهم هي التجارة، وقيل: منافع الآخرة، وقيل: منافع الدارين جميعا، وتمام الآية * (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير) * (الحج: 72). قوله: * (ويذكروا) * (الحج: 72). أي: وليذكروا اسم الله في أيام معلومات يعني: يوم النحر ويومين بعده، وقال مجاهد وقتادة: المعلومات: الأيام العشر، والمعدودات: إيام التشريق. قوله: * (على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) * (الحج: 72). متعلق بذكروا، والمعنى: ويذكروا اسم الله على ذبح أنعامهم، والمراد بالذكر التسمية، وهي قوله: بسم الله والله أكبر اللهم منك وإليك عن فلان، كان الكفار يدعون ويذبحون على أسماء أصنامهم، فبين الله تعالى أن الواجب الذبح على اسمه: * (بهيمة الأنعام) * (الحج: 72). الإبل والبقر والغنم. قوله: * (فكلوا منها) * (الحج: 72). فهو أمر إباحة، وكان أهل الجاهلية لا يرون ولا يستحلون الأكل من ذبائحهم. قوله: * (وأطعموا البائس) * (الحج: 72). أي: الذي اشتد فقره، وقال أبو الليث: البائس الصرير الزمن، والفقير الذي ليس له شيء. وقال الزجاج: البائس الذي أصابه البؤس وهو الشدة، وما يتعلق بذلك من الفقه عرف في موضعه.
فجاجا: الطرق الواسعة قد جرت عادة البخاري أنه إذا وقعت لفظة في الحديث أو في الآية يذكر نظيرها مما وقع في الحديث أو القرآن، وذكر هنا: فجاجا، يريد به ما وقع في قوله تعالى: * (لتسلكوا منها سبلا فجاجا) * (الحج: 72). ثم فسر الفجاج بقوله: الطرق الواسعة، وهكذا فسرها الفراء في (المعاني) في سورة نوح، عليه الصلاة والسلام، وهو: جمع فج. قال ابن سيده: الفج الطريق الواسع في جبل أو في قبل جبل، وهو أوسع من الشعب. وقال ثعلب: هو ما انخفض من الطرق، وجمع على فجاج، وأفجة، الأخيرة نادرة. وقال صاحب (المنتهي): فجاج الأرض نواحيها. وفي (التهذيب): * (من كل فج عميق) * (الحج: 72). أي: واسع غامض.
4151 حدثنا أحمد بن عيسى ا قال حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أن سالم بن عبد الله قال أخبره أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما. قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب رحلته بذي الحليفة ثم يهل حتى تستوي به قائمة.
.
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه ذكر الركوب وذكر الفج العميق. أما الركوب فهو قوله: (يركب راحلته)، وأما الفج العميق فهو، ذو الحليفة، لأنه لا شك أن بينها وبين مكة عشر مراحل، وهو فج وعميق، وسنبسط الكلام فيها عن قريب، إن شاء الله تعالى، وبما ذكرنا سقط اعتراض الإسماعيلي، حيث قال: ليس في الحديثين شيء مما ترجم الباب به، ولو وقع في خاطره ما ذكرنا من المطابقة الواضحة لما أقدم إلى الاعتراض.
ذكر رجاله: وهم: ستة: أحمد بن عيسى أبو عبد الله التستري مصري الأصل، ولكنه كان يتجر إلى تستر فنسب إليها، مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين، كذا وقع في رواية أبي ذر بنسبته إلى أبيه، ووافقه أبو علي الشبوي، وأهمله الباقون، وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري، ويونس هو ابن يزيد الأيلي، وقال صاحب (التلويح): والذي رأيت في (مسند عبد الله بن وهب) رواية يونس بن عبد الأعلى عنه: أنبأنا يونس عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبيا، وابن شهاب محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهم.
وأخرجه مسلم عن حرملة، والنسائي عن عيسى بن إبراهيم. ذكر معناه: قوله: (يركب راحلته)، والراحلة من الإبل: البعير القوي على الأسفار والأحمال، والذكر والأنثى فيه سواء، والهاء فيها للمبالغة، وهي التي يختارها الرجل لمركبه ورحله على النجابة، وتمام الخلق وحسن المنظر، فإذا كانت في جماعة الإبل عرفت. قوله: (بذي الحليفة)، بضم الحاء المهملة وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف وفتح الفاء، وفي
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»