عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ٧١
تعالى عنه: إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من عشور نحله فاحم له سلبة، وإلا فإنما هو ذباب غيث يأكله من شاء. وسلبة، بفتح السين المهملة واللام والباء الموحدة، كذا قيده البكري.
وقال شيخنا زين الدين: ووقع في سماعنا من السنن، بسكون اللام، وقال شيخنا أيضا: حكى الترمذي عن أكثر أهل العلم وجوب الزكاة في العسل، وسمى منهم: أحمد وإسحاق، وفيه نظر، فإن الذين لم يقولوا بالوجوب: مالك والشافعي وسفيان الثوري ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى والحسن بن صالح بن حي وأبو بكر بن المنذر وداود، وبه قال من الصحابة: عبد الله بن عمر، ومن التابعين: المغيرة بن حكيم وعمر بن عبد العزيز. وقال: وفرق أبو حنيفة بين أن يكون النحل في أرض العشر وبين أن يكون في أرض الخراج، فإن كان في أرض العشر ففيه الزكاة، وإن كان في أرض الخراج فلا زكاة فيه، قل أو كثر. وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة أنه إذا كان في أرض العشر ففي قليل العسل وكثيره العشر، وحكى عن أبي يوسف ومحمد أنه ليس فيما دون خمسة أوسق من العسل عشر، وحكى ابن حزم عن أبي يوسف أنه إذا بلغ العسل عشرة أرطال ففيه رطل واحد، وكذا ما زاد ففيه العشر، والرطل هو الفلفلي. قال: وقال محمد بن الحسن: إذا بلغ العسل خمسة أفراق ففيه العشر، وإلا فلا. قال: والفرق ستة وثلاثون رطلا فلفلية. وحكى صاحب (الهداية) عن أبي يوسف: أنه يعتبر فيه القيمة كما هو أصله، وعنه: أنه لا شيء فيه حتى يبلغ عشر قرب، وعنه: خمسة أمناء. قلت: تحقيق مذهبنا فيه أن عند أبي حنيفة: يجب في قليله وكثيره لأنه لا يشترط النصاب في العشر، وعن أبي يوسف: إذا بلغت قيمته خمسة أوساق، وعنه أنه قدره بعشرة أرطال، قال في (المبسوط): وهي رواية الأمالي، وهي: خمسة أمناء. وعنه أنه اعتبر فيه عشر قرب، وعن محمد ثلاث روايات إحداها: خمس قرب، والقربة خمسون منا، ذكره في (الينابيع) وفي (المغني): القربة مائة رطل. والثانية: خمسة أمناء. والثالثة: خمسة أواق. وقال السرخسي: وهي تسعون منا.
واحتجت أصحابنا بما رواه ابن ماجة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أخذ من العسل العشر، وبرواية أبي داود أيضا عن عمرو بن شعيب، وقد ذكرناه، وبما رواه القرطبي أيضا عنه عمرو بن شعيب عن أبيه عن حده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤخذ في زمانه من قرب العسل من كل عشر قرب قربة من أوسطها. قال: هو حديث حسن. وبما رواه الترمذي أيضا عن ابن عمر، وقد ذكرناه، وبما رواه أبو هريرة عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كتب إلى أهل اليمن أن يؤخذ عن العسل العشر، ذكره في (الإمام). فإن قلت: ذكروا عن معاذ، رضي الله تعالى عنه، أنه سئل عن العسل في اليمن؟ قال: لم أومر فيه بشيء. قلت: لا يلزم من عدم أمر معاذ أن لا يجب فيه العشر، وإثبات أبي هريرة مقدم على نفي أمر معاذ. وبما رواه عبد الرحمن بن أبي ذئاب عن أبيه: أن عمر، رضي الله تعالى عنه، (أمره في العسل بالعشر)، رواه الأثرم، ورواه الشافعي في (مسنده) والبزار والطبراني والبيهقي. قال الشافعي: أخبرنا أنس بن عياض عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذئاب عن أبيه (عن سعد بن أبي ذئاب، قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت، ثم قلت: يا رسول الله اجعل لقومي ما أسلموا عليه من أموالهم، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعملني عليهم، ثم استعملني أبو بكر وعمر، رضي الله تعالى عنهما، قال: وكان سعد من أهل السراة، قال: تكلمت قومي في العسل فقلت زكاة فإنه لا خير في ثمرة لا تزكى، فقالوا: كم؟ قال: قلت: العشر، فأخذت منهم العشر وأتيت عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، فأخبرته بما كان، قال: فقبضه عمر فباعه ثم جعل ثمنه في صدقات المسلمين). وبما رواه عطاء الخراساني عن سفيان بن عبد الله الثقفي، قال لعمر: إن عندنا واديا فيه عسل كثير، فقال: عليهم في كل عشرة أفراق فرق، ذكره حميد بن زنجويه في (كتاب الأموال) وقال الأثرم: قلت لأحمد: أخذ عمر العشر من العسل كان على أنهم تطوعوا به، قال: لا بل أخذه منهم حقا. فإن قلت: فقد روي عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر، قال: ليس في الخيل ولا في الرقيق ولا في العسل صدقة؟ قلت: العمري ضعيف لا يحتج به. فإن قلت: قال البخاري: ليس في زكاة العسل حديث يصح؟ قلت: هذا لا يقدح ما لم يبين علة الحديث والقادح فيه، وقد رواه جماعة منهم أبو داود، ولم يتكلم عليه، فأقل حاله أن يكون حسنا وهو حجة، ولا يلزمنا قول البخاري لأن الصحيح ليس موقوفا عليه، وكم من حديث صحيح
(٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 ... » »»