عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ٧٤
الأحاديث الصحيحة. قلت: ليت شعري كيف تلفظ بهذا الكلام مع شهرته بالزهد والورع؟ وعجبي كل العجب يقول هذا مع اطلاعه على مستنداته من الكتاب والسنة، ولا ينفرد حطه على أبي حنيفة وحده، بل على كل من كان مذهبه مثل مذهبه.
القول الثاني: يجب فيما له ثمرة باقية إذا بلغ خمسة أوسق، وهو قول أبي يوسف ومحمد، ولا يجب في الخضراوات ولا في البطيخ والخيار والقثاء. ونص محمد على أنه: لا عشر في السفرجل، ولا في التين والتفاح والكمثري والخوخ والمشمش والإجاص، وفي الينابيع، ويجب في كل ثمرة تبقى سنة كالجوز واللوز والبندق والفستق. وفي (المبسوط): وأوجبا في الجوز واللوز وفي الفستق على قول أبي يوسف، وعلى قول محمد: لا يجب، وفي المرغيناني عن محمد: أنه لا عشر في التين والبندق والتوت والموز والخرنوب، وعنه: يجب في التين. قال الكرخي: هو الصحيح عنه، ولا في الإهليلجة وسائر الأدوية والسدر والأشنان، ويجب فيما يجيء منه ما يبقى سنة: كالعنب والرطب، وعن محمد: إن كان العنب لا يجيء منه الزبيب لرقته لا يجب فيه العشر، ولا يجب في السعتر والصنوبر والحلبة، وعن أبي يوسف أنه أوجب في الحناء، وقال محمد: لا يجب فيه كالرياحين، وعن محمد روايتان في الثوم والبصل، ولا عشر في التفاح والخوخ الذي يشق وييبس، ولا شيء في بذر البطيخ والقثاء والخيار والرطبة، وكل بذر لا يصلح إلا للزراعة، ذكره القدوري. ويجب في بذر القنب دون عيدانه، ويجب في الكمون والكراويا والخردل لأن ذلك من جملة الحبوب. وفي (المحيط): ولا عشر فيما هو تابع للأرض: كالنخل والأشجار، وأصله أن كل شيء يدخل في بيع الأرض تبعا فهو كالجزء منها فلا شيء فيه، وما لا يدخل إلا بالشرط يجب فيه: كالثمر والحبوب.
القول الثالث: يجب فيما يدخر ويقتات كالحنطة والشعير والدخن والذرة والأرز والعدس والحمص والباقلاء والجلبان والماش واللوبيا ونحوها، وهو قول الشافعي. وفي (شرح الترمذي) أطلق القول في وجوب الزكاة في كل شيء يجري فيه الوساق والصاع، ولا شك أنه أراد مما يزرع ويستنبت وإلا فلا يجري فيه الوسق والصاع، ولا زكاة فيه. وإنما اختلف العلماء في أشياء مما يستنبت، فمذهب الشافعي، كما اتفق عليه الأصحاب: أن يكون قوتا في حال الاختيار، وأن يكون من جنس ما ينبته الآدميون، وشرط العراقيون أن يدخر وييبس. قال الرافعي: لا حاجة إليهما لأنهما ملازمان لكل مقتات مستنبت وهو الحنطة والشعير والسلت والذرة والدخن والأرز والجاورش، بالجيم وفتح الواو، وفسره بأنه: حب صغار من جنس الذرة، وكذلك القطنية، بكسر القاف وجمعها القطاني، وهي العدس والحمص والماش والباقلاء، وهو الفول واللوبيا والهرطمان وهو الجلبان، ويقال له الخلر، بضم الخاء المعجمة وتشديد اللام وفتحها وآخره راء، لأنها تصلح للاقتيات وتدخر للأكل، واحترز الأصحاب بقولهم: في حال الاختيار عن حب الحنظل وعن القت، وبه مثله الشافعي، وفسره المزني وغيره: بحب الغاسول، وهو الأشنان وسائر بذور البراري، قالوا: ولا تجب الزكاة في الثفاء، وهو حب الرشاد، ولا في الترمس والسمسم والكمون والكراويا والكزبرة وبذر القطونا وبذر الكتاب وبذر الفجل وما أشبه ذلك من البذورات، ولا شيء في هذه عندنا بلا خلاف، وإن جرى فيه الكيل بالصاع ونحوه، إلا ما حكاه العراقيون أن في الترمس قولا قديما في وجوب الزكاة فيه، وإلا ما حكاه الرافعي عن ابن كج من حكاية قول قديم في بذر الفجل، ولا زكاة عند الشافعي في التين والتفاح والسفرجل والرمان والخوخ والجوز واللوز والموز وسائر الثمار سوى الرطب والعنب، ولا في الزيتون في الجديد.
وفي الورس في الجديد وواجبها في القديم من غير شرط النصاب في قليله وكثيره ولا تجب في الترمس في الجديد.
القول الرابع: قول مالك مثل قول الشافعي، وزاد عليه: وجوب العشر في الترمس والسمسم والزيتون، وأوجب المالكية في غير رواية ابن القاسم في بذر الكتاب وبذر السلجم لعموم نفعهما بمصر والعراق، مع أنه لا يؤكل بذرهما.
القول الخامس: قول أحمد: يجب فيما له البقاء واليبس والكيل من الحبوب والثمار، سواء كان قوتا كالحنطة والشعير والسلت وهو نوع من الشعير. وفي المغرب: شعير لا قشر له يكون بالغور والحجاز، والأرز والدهن والعلس وهو نوع من الحنطة يزعم أهله أنه إذا أخرج من قشره لا يبقى بقاء غيره من الحنطة، ويكون منه حبتان وثلاث في كمام واحد، وهو طعام أهل صنعاء وفي المغرب هو بفتحتين حية سوداء إذا أجدب الناس خلطوها وأكلوها. وقال ابن القاسم المالكي: ليس هو من نوع الحنطة، وتجب في الأرز والذرة وفي القطنيات كالعدس والباقلاء والحمص والماش، وفي الإبازير كالكزبرة والكمون، وفي البذور كبذر
(٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 ... » »»