عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ٥
لا يختارون الخير للمهاجرين والأنصار، وأن قولهم: مذهب معاذ أن النقل من الصدقات ممتنع، لا أصل له لأنه لا ينسب إلى أحد من الصحابة مذهب في حياة رسول الله، صلى الله عليه وسلمد وأن قولهم: ويدل عليه إضافتها إلى المهاجرين والأنصار... إلى آخره، ليس كذلك، لأنه لم يضف الصدقة إليهم مطلقا، بل أراد أنه خير للفقراء منهم، فكأنه قال: خير للفقراء منهم، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه وأعربه إعرابه، وما نقل الزكاة إلى المدينة إلا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعثه لذلك، ولأنه يجوز نقلها إلى قوم أحوج من الفقراء الذين هم هناك، وفقراء المهاجرين والأنصار أحوج للهجرة وضيق حال المدينة في ذلك الوقت. فإن قلت: قد قيل: إن الجزية كانت يومئذ من قوم عرب باسم الصدقة، فيجوز أن يكون معاذ أراد ذلك في قوله: في الصدقة؟ قلت: قال السروجي: قال هذا القاضي أبو محمد، ثم قال: ما أقبح الجور والظلم منه، وما أجهله بالنقل، إنما جاءت تسمية الجزية بالصدقة من بني تغلب ونصارى العرب بالتماسهم في خلافة عمر، رضي الله تعالى عنه، قال: هي جزية فسموها ما شئتم، وما سماها المسمون صدقة قط. قلت: قال الطرطوشي: قال معاذ: للمهاجرين والأنصار بالمدينة، وفي المهاجرين بنو هاشم وبنو عبد المطلب ولا يحل لهم الصدقة، وفي الأنصار أغنياء ولا يحل لهم الصدقة، فدل على أن ذلك الجزية. قلت: قال السروجي: ركة ما قاله ظاهرة جدا، وهو تعلق بحبال الهوى وخبطة العشواء لأنه أراد بالمهاجرين والأنصار من يحل له الصدقة لا من تحرم عليه، وكذا الجزية لا تصرف إلى جميع المهاجرين والأنصار بل إلى مصارفها المعروفين. فافهم. فإن قلت: إن قصة معاذ اجتهاد منه فلا حجة فيها؟ قلت: كان معاذ أعلم الناس بالحلال والحرام، وقد بين له النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسله إلى اليمن ما يصنع به.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم وأما خالد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله مطابقته للترجمة من حيث أن أدراع خالد وأعتده من العرض، ولولا أنه وقفهما لأعطاهما في وجه الزكاة أو لما صح منه صرفهما في سبيل الله لدخلا في أحد مصارف الزكاة الثمانية المذكورة. في قوله عز وجل: * (إنما الصدقات للفقراء) * (التوبة: 06). فلم يبق عليه شيء، وهذا التعليق ذكره البخاري في: باب قول الله عز وجل * (وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله) * (التوبة: 06). وسيأتي بعد أربعة عشر بابا، إن شاء الله تعالى، قال البخاري: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج (عن أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة، فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد وعباس بن عبد المطلب رضي الله تعاى عنهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما ينتقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله ورسوله وأما خالد فأنكم تظلمون خالدا فقد احتبس أدراعه واعتمده في سبيل الله وأما العباس بن عبد المطلب فعم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي عليه صدقة ومثلها معها).
ذكر معناه: قوله: (أما خالد)، هو خالد بن الوليد سيف الله. قوله: (احتبس) أي: وقف، وهو يتعدى ولا يتعدى، وحبسته واحتبسته بمعنى. قوله: (أدراعه) جمع درع. قوله: (وأعتده)، بضم التاء المثناة من فوق: جمع: عتد، بفتحتين. ووقع في رواية مسلم أعتاده، وهو جمعه أيضا. قيل: هو ما يعده الرجل من الدواب والسلاح، وقيل: الخيل خاصة. يقال: فرس عتيد أي صلب أو معد للركوب أو سريع الوثوب، ويروى: (أعبده)، بضم الباء الموحدة، جمع: عبد، حكاها عياض والأول هو المشهور، وهذا حجة أيضا للحنفية. واستدل به البخاري أيضا على إخراج العروض في الزكاة، ووجه ذلك أنهم ظنوا أنها للتجارة فطالبوه بزكاة قيمتها، وسيأتي الكلام في موضعه عن قريب، إن شاء الله تعالى.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم تصدقن ولو من حليكن فلم يستثن صدقة الفرض من غيرها فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها ولم يخص الذهب والفضة من العروض مطابقته للترجمة في قوله: (خرصها وسخابها)، لأنه صلى الله عليه وسلم أمرهن بالصدقة ولم يعين الفرض من غيره، ثم إلقاؤهن الخرص والسخاب وعدم رده صلى الله عليه وسلم إياها منهن دليل على أخذ العروض في الزكاة، ويفهم من كلامه أنه لم يفرق بين مصارف الزكاة
(٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»