بعرض من الدنيا) أي: بمتاع منها ذاهب فان. والعرض ما عدا العين، قاله أبو زيد. وقال الأصمعي: ما كان من مال غير نقد، قال أبو عبيد، ما عدا الحيوان والعقار والمكيل والموزون. وفي (الصحاح): العرض المتاع وكل شيء فهو عرض سوى الدراهم والدنانير فإنها عين. وقال أبو عبيد: العروض الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن ولا يكون حيوانا ولا عقارا، والعرض، بكسر العين: النفس، يقال أكرمت عرضي عنه أي: صنت عنه نفسي، وفلان نقي العرض أي: برئ من أن يشتم أو يعاب. وقد قيل: عرض الرجل حسبه، والعرض، بضم العين: ناحية الشيء من أي وجه جئته ورأيته في عرض الناس أي فيما بينهم.
وقال طاوس قال معاذ رضي الله تعالى عنه لأهل اليمن ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة مطابقته للترجمة في قوله: (ائتوني بعرض)، وهذا تعليق رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عيينة عن إبراهيم ن ميسرة عن طاووس قال معاذ: ائتوني بخمس، وحدثنا وكيع عن سفيان عن إبراهيم عن طاووس أن معاذا كان يأخذ العروض في الصدقة.
ذكر معناه: قوله: (بعرض ثياب) بغير إضافة على أن قوله: ثياب، إما بدل أو عطف بيان، ويروى بإضافة العرض إلى ثياب من قبيل شجر الأراك، والإضافة بيانية. قوله: (خميص)، بالصاد، كذا ذكره البخاري فيما قاله عياض وابن قرقول، وقال الداودي والجوهري: ثوب خميس، بالسين، ويقال له أيضا: خموص، وهو الثوب الذي طوله خمسة أذرع، يعني: الصغير من الثياب، وقال أبو عمر: وأول من عملها باليمن ملك يقال له الخميس. وفي (مجمع الغرائب): أول من عمله يقال له الخميس. وفي (المغيث): الخميس الثوب المخموس الذي طوله خمس. وقال ابن التين: لا وجه لأن يكون بالصاد، فإن صحت الرواية بالصاد فيكون مذكر الخميصة، فاستعارها للثوب. وقال الكرماني: هو الكساء الأسود المربع له علمان. قوله: (أوليس)، بفتح اللام وكسر الباء الموحدة: بمعنى الملبوس، مثل قتيل ومقتول، وقال ابن التين: ولو كان أراد الاسم لقال: لبوس. لأن اللبوس كل ما يلبس من ثياب ودرع. قوله: (والذرة)، بضم الذال المعجمة وتخفيف الراء. قوله: (أهون) خبر مبتدأ محذوف أي: هو أهون، أي: أسهل. قوله: (عليكم)، وإنما لم يقل لكم لإرادة معنى تسليط السهولة عليهم.
ذكر ما يستفاد منه: احتج به أصحابنا في جواز دفع القيم في الزكوات، ولهذا قال ابن رشيد: وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم، لكن قاده إلى ذلك الدليل، وقال بعضهم: لكن أجاب الجمهور عن قصة معاذ، رضي الله تعالى عنه. قلت: من جملة ما قالوا: إنه مرسل. وقال الإسماعيلي: حديث طاووس لو كان صحيحا لوجب ذكره لينتهي إليه وإن كان مرسلا فلا حجة فيه، ومنهم من قال: إن المراد بالصدقة الجزية لأنهم يطلقون ذلك مع تضعيف الواجب حذرا من العار. وقال البيهقي: وهذا الأليق بمعاذ، رضي الله تعالى عنه، والأشبه بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ الجنس في الصدقات وأخذ الدينار، وعدله معافر ثياب اليمن في الجزية. قالوا: ويدل عليه نقله إلى المدينة، وذهب معاذ أن النقل في الصدقات ممتنع ويدل عليه إضافتها إلى المهاجرين والأنصار والجزية تستحق بالهجلاة والنصرة وأما الزكاة فتستحق بالفقر والمسكنة وقالوا أيضا أن قوله ائتوني بعرض ثياب معناه آتوني به آخذه منكم مكان الشعير والذرة الذي آخذه شراء بما آخذه فيكون بأخذه قد بلغت محله ثم يأخذ مكان ما يشتريه مما هو واسع عندهم وانفع للآخذ وقالوا لو كانت هذه من الزكاة لم تكن مردودة على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة دون غيرهم وكيف كان الوجه في رده عليهم وقد قال له صلى الله عليه وسلم (تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم) وأما الجواب عن ذلك كله فهو أن قولهم أنه مرسل فنقول المرسل حجة عندنا وأن قولهم المراد بالصدقة الجزية فالجواب عنه من أربعة أوجه. أولها أنه قال مكان الشعير والذرة وتلك غير واجبة في الجزية بالإجماع. الثاني أن المنصوص عليه لفظ الصدقة، كما في لفظ البخاري، والجزي صغار لا صدقة، ومسميها بالصدقة مكابر. الثالث: قاله حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخذ زكااهم، وفعله امتثال لما بعث من أجله وسببه هو الزكاة، فكيف يحمل على الجزية؟ الرابع: أن الخطاب مع المسلمين لأنه يبين لهم ما فيه من النفع لأنفسهم وللمهاجرين والأنصار، فلولا أنهم يريدون المهاجرين والأنصار لما قال: خير الأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهم المهاجرون والأنصار، لأن الكفار