عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ١٥٣
أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم). والوبيص، بالصاد المهملة: البريق واللمعان. قالا: وحديث يعلى إنما أمره بغسل ما عليه لأن ذلك الطيب كان زعفرانا، وقد نهى الرجال عن الزعفران، وجواب آخر بأن قصة يعلى كانت بالجعرانة كما ثبت في هذا الحديث، وهي في سنة ثمان بلا خلاف، وحديث عائشة المذكور في حجة الوداع سنة عشر بلا خلاف، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من الأمر. فإن قلت: إن ذلك الوبيص الذي أبصرته عائشة إنما كان بقايا ذلك الطيب وقد تعذر قلعها فبقي بعد أن غسل، وأيضا: كان ذلك من خواصه لأن المحرم، إنما منع من الطيب لئلا يدعوه إلى الجماع، والشارع معصوم. وأيضا كان مما لا تبقى رائحته بعد الإحرام. قلت: قد ذكرنا أن ذلك الطيب كان زعفرانا وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الزعفران مطلقا، سواء كان في الحل أو الحرمة، ودعوى الخصوصية تحتاج إلى دليل، وقد روى ابن حزم من طريق حماد بن يزيد عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، أنها قالت: (طيبته صلى الله عليه وسلم بيدي)، وروي: أنهن كن يضمخن جباههن بالمسك ثم يحرمن ثم يعرقن فيسيل على وجوههن، فيرى ذلك صلى الله عليه وسلم فلا ينكره.
81 ((باب الطيب عند الإحرام وما يلبس إذا أراد أن يحرم ويترجل ويدهن)) أي: هذا باب في بيان جواز الطيب عند إرادة الإحرام، وجواز ما يلبس الشخص إذا أراد الإحرام. قوله: (ويترجل) بالرفع، عطف على قوله: وما يلبس، ويروى بالنصب ووجهه أن يكون منصوبا بأن، المقدرة كما في قول الشاعر:
* للبس عباءة وتقر عيني * أحب إلي من لبس الشفوف * وقوله: (ويترجل)، من الترجل على وزن: التفعل، وهو أن يسرح شعره، من: رجلت رأسي: إذا مشطته بالمشط. قوله: (ويدهن)، بفتح الهاء من الثلاثي، يعني: من دهن يدهن، وبكسرها من ادهن على وزن: افتعل، إذا تطلى بالدهن، وأصله يتدهن، فأبدلت التاء دالا وأدغمت الدال في الدال، وهو عطف أيضا على: يلبس، وقد تكلم الشراح هنا بما لا طائل تحته، فتركناه.
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يشم المحرم الريحان وينظر في المرآة ويتداوى بما يأكل الزيت والسمن هذا التعليق في شم المحرم الريحان وصله البيهقي بسند جيد إلى سفيان،: حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا للمحرم أن يشم الريحان، وروى الدارقطني بسند صحيح عنه: المحرم يشم الريحان ويدخل الحمام وينزع سنه ويفقأ القرحة، وإن انكسر ظفره أماط عنه الأذى.
واختلف الفقهاء في الريحان. فقال إسحاق: يباح، وتوقف أحمد فيه، وقال الشافعي: يحرم، وكرهه مالك والحنفية. ومنشأ الخلاف أن كل ما يتخذ منه الطيب يحرم بلا خلاف، وأما غيره فلا، وروى بن أبي شيبة عن جابر أنه قال: لا يشم المحرم الريحان، وروى البيهقي بسند صحيح عن ابن عمر: أنه كان يكره شم الريحان للمحرم. وعن أبي الزبير: سمع جابرا يسأل عن الريحان أيشمه المحرم والطيب والدهن؟ فقال: لا. وعن جابر: إذا شم المحرم ريحانا أو مس طيبا إهراق لذلك دما. وعن إبراهيم: في الطيب الفدية. وعن عطاء: إذا شم طيبا كفر، وعنه: إذا وضع المحرم على شيء دهنا فيه طيب فعليه الكفارة. والريحان: ما طاب ريحه من النبات كله سهلية وجبلية، والواحدة ريحانة. وفي (المحكم): الريحان أطراف كل كل بقلة طيبة الريح إذا خرج عليها أوائل النور، والريحانة: طاقة من الريحان.
وأما النظر في المرآة، فقال النووي في (جامعه): رواية عبد الله بن الوليد العدني عنه عن هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس، قال: لا بأس أن ينظر في المرآة وهو محرم، وروى ابن أبي شيبة عن ليث عن طاووس: لا ينظر.
وأما التداوي. قال ابن أبي شيبة: حدثنا أبو خالد الأحمر وعباد بن العوام عن أشعث عن عطاء عن ابن عباس: أنه كان يقول: يتداوى المحرم بما يأكل. وقال أيضا: حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن الضحاك عن ابن عباس، قال: إذا تشققت يد المحرم أو رجلاه فليدهنهما بالزيت أو السمن. وروى أيضا من حديث ابن عمر: يتداوى المحرم بأي دواء شاء إلا دواء فيه طيب، وكان الأسود يضمد رجله
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»