عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ١٥٧
واختلف في الفدية عن عطاء وأحمد، وممن جوزه وقال: هو حلال ولا فدية فيه عثمان وابن عباس والحسن ومجاهد وإسحاق، رضي الله تعالى عنهم، قال العبدري: وهو قول أكثر العلماء، وفي (التوضيح): الحناء عندنا ليس طيبا، خلافا لأبي حنيفة، وعند مالك وأحمد: فيه الفدية. وقالت عائشة: وكان صلى الله عليه وسلم يكره ريحه، أخرجه ابن أبي عاصم في (كتاب الخضاب) وكان يحب الطيب فلو كان طيبا لم يكرهه. قلت: روى أبو يعلى في (مسنده) عن أنس، رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اختضبوا بالحناء، فإنه طيب الريح يسكن الدوخة. وأما الطيب بعد رمي الجمرة فقد رخص فيه ابن عباس وسعد بن أبي وقاص وابن الزبير وعائشة وابن جبير والنخعي وخارجة بن زيد، وهو قول الكوفيين والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وكرهه سالم ومالك، وقال ابن القاسم: ولا فدية لما جاء في ذلك، ولما كان الطحاوي مع محمد بن الحسن فيما ذهب إليه أجاب عن حديث الباب الذي احتج به أبو حنيفة وأبو يوسف وآخرون، فقال: وكان من الحجة له أي: لمحمد بن الحسن في ذلك أن ما ذكر في حديث عائشة من تطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الإحرام إنما فيه أنها كانت تطيبه إذا أراد أن يحرم، فقد يجوز أن يكون كانت تفعل ذلك به ثم يغتسل إذا أراد أن يحرم فيذهب بغسله عنه ما كان على بدنه من طيب ويبقى فيه ريحه. وادعى ابن القصار والمهلب: أنه كان من خواصه صلى الله عليه وسلم، وزاد المهلب معنى آخر: أنه خص به لمباشرته الملائكة بالوحي وغيره، وقد ذكرناه.
9351 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحرامه حين يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت.
.
وهذا طريق آخر في حديث عائشة. وقال أبو عمر: حديث عائشة هذا صحيح ثابت لا يختلف أهل العلم في صحته وثبوته، وقد روي عن عائشة من وجوه. قلت: قد ذكرنا أن الطحاوي أخرجه من ثمانية عشر طريقا. قوله: (لإحرامه) أي: لأجل إحرامه، وفي رواية مسلم والنسائي (حين أراد أن يحرم). قوله: (ولحله) أي: ولتحلله من محظورات الإحرام، وذلك بعد أن يرمي ويحلق. وقد ذكرنا الخلاف فيه عن قريب.
وقيل: استدل بقول عائشة: كنت أطيب...، على أن: كان، لا تقتضي التكرار لأنها لم يقع ذلك منها إلا مرة واحدة، وقد صرحت في رواية عروة عنها بأن ذلك كان في حجة الوداع، وكذا استدل به النووي في (شرح مسلم) واعترض بأن المدعى تكراره إنما هو التطيب لا الإحرام، ولا مانع من أن يتكرر التطيب لأجل الإحرام مع كون الإحرام مرة واحدة. وقال الإمام فخر الدين: إن: كان، لا تقتضي التكرار ولا الاستمرار، وجزم ابن الحاجب بأنها تقتضيه. وقال بعض المحققين، تقتضي التكرار، ولكن قد تقع قرينة تدل على عدمه. قلت: كان، تقتضي الاستمرار بخلاف: صار، ولهذا لا يجوز أن يقال في موضع: كان الله، أن يقال. صار. وقال بعضهم: هذا اللفظ يعني لفظ: كنت، في قول عائشة: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم تتفق الرواة عنها عليها، فسيأتي للبخاري من طريق سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم شيخ مالك فيه هنا بلفظ: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسائر الطرق ليس فيها صيغة: كان. قلت: في رواية مسلم عن الأسود عن عائشة: إني كنت لأنظر إلى وبيص الطيب، وفي رواية النسائي: عن عروة عنها، قالت: كنت أطيب... وفي رواية الطحاوي عن ابن عمر عنها قالت كنت أطيب وفي رواية الطحاوي أيضا: عن الأسود عنها: أنها كانت تطيب... رواها من طريق الفريابي عن مالك بن مغول عن عبد الرحمن بن الأسود عنها، وكذا روى من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن ابن الأسود عن أبيه عنها: كانت تطيب، وهذا القائل كأنه لم يطلع على هذه الروايات، فلهذا ادعى بقوله: وسائر الطرق ليس فيها صيغة: كان، وهذه التي ذكرناها فيها صيغة: كان وكنت.
وفيه: استحباب التطيب عند إرادة الإحرام وجواز استدامته بعد الإحرام، كما ذكرناه مفصلا، وعن مالك: يحرم، وعنه في وجوب الفدية قولان.
واحتجت المالكية فيه بأشياء: منها: أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل بعد أن تطيب كما في حديث إبراهيم بن المنتشر الذي تقدم في الغسل، ثم طاف على نسائه ثم أصبح محرما، والمراد من الطواف: الجماع، وكان من عادته أن يغتسل عند كل واحدة، فالضرورة
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»