أجابوا إلى الشهادتين ودخلوا بذلك في الإسلام ولم يطيعوا لوجوب الصلاة كان ذلك كفرا وردة عن الإسلام بعد دخولهم فيه، فصار مالهم فيئا، فلا يؤمرون بالزكاة بل يقتلون؟ قوله: (فإن هم أطاعوا لذلك) أي: لوجوب الصلاة بالأداء كما ذكرنا. قوله: (افترض عليهم صدقة) أي: زكاة، وأطلق لفظ: الصدقة، على الزكاة كما في قوله تعالى: * (إنما الصدقات للفقراء) * (التوبة: 06). والمراد بها: الزكاة. قوله: (تؤخذ) على صيغة المجهول في محل النصب على أنها صفة لقوله (صدقة)، وكذلك قوله: (وترد) على صيغة المجهول عطف على قوله: (تؤخذ)، وسيأتي في كتاب الزكاة في باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة، عقيب قوله: (وترد على فقرائهم فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس)، وسيأتي أيضا في: باب أخذ الصدقة من الأغنياء، عقيب قوله: (وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب). قوله: (توق)، وفي رواية: (فإياك وكرائم أموالهم)، يعني: إحترز فلا تأخذ كرائم الأموال، والكرائم جمع: كريمة، وهي النفيسة من المال. وقيل: ما يختص صاحبه لنفسه منها ويؤثره، وقال صاحب (المطالع): هي جامعة الكمال المتمكن في حقها من غزارة اللبن وجمال صورة أو كثرة لحم أو صوف، قوله: (فإنه)، أي: فإن الشأن، وفي رواية أبي داود: فإنها، أي: فإن القصة والشأن. قوله: (ليس بينه)، أي: بين دعاء المظلوم وبين الله حجاب. وفي رواية: (بينها)، أي: بين دعوة المظلوم وبين الله. قوله: (فإياك وكرائم أموالهم)، بالواو، ولا يجوز تركه لأن معنى: إياك: إتق، وهو الذي يقال له التحذير، والمحذر منه إذا ولي المحذر فإن كان اسما صريحا يستعمل بمن أو الواو، ولا يخلو عنهما، وإلا يفهم منه أنه محذر منه، وإن كان فعلا يجب أن يكون مع: أن ليكون في تأويل الاسم، فيستعمل بالواو عطفا نحو: إياك وأن تحذف، فإن تقديره: إياك والحذف، أو: بمن، نحو إياك من أن تحذف. ولا يجوز أن يقال: إياك الأسد، بدون الواو. وقد نقل ابن مالك: إياك الأسد، بحذف الواو، ولكنه شاذ يكون في الضرورة.
ذكر ما يستفاد منه: وهو على وجوه:
الأول: فيه قبول خبر الواحد ووجوب العمل به، قال صاحب (التلويح): وفيه نظر من حيث إن أبا موسى كان معه، فليس خبر واحد على هذا، وعلى قول أبي عمر: كانوا خمسة. قلت: في نظره نظر، لأنه لا يخرج عن كونه خبر واحد، وقبول خبر الواحد ووجوب العمل به قول من يعتد به في الإجماع.
الثاني: فيه أن الكفار يدعون إلى الإسلام قبل القتال، وإنه لا يحكم بإسلام الكافر إلا بالنطق بالشهادتين، وهذا مذهب أهل السنة لأن ذلك أصل الدين الذي لا يصح شيء من فروعه إلا به.
الثالث: فيه أن الصلوات الخمس فرض في كل يوم وليلة خمس مرات.
الرابع: فيه أن الزكاة فرض.
الخامس: فيه استدلال بعضهم على عدم جواز نقل الزكاة عن بلد المال، لقوله صلى الله عليه وسلم (وترد على فقرائهم)، قلت: هذا الاستدلال غير صحيح، لأن الضمير في (فقرائهم)، يرجع إلى فقراء المسلمين، وهو أعم من أن يكون من فقراء أهل تلك البلدة أو غيرهم، وقال الطيبي: اتفقوا على أنها إذا نقلت وأديت يسقط الفرض عنه، إلا عمر ابن عبد العزيز فإنه رد صدقة نقلت من خراسان إلى الشام إلى مكانها من خراسان.
السادس: أن الخطابي قال فيه: يستدل لمن يذهب إلى أن الكفار غير مخاطبين بشريعة الدين، وإنما خوطبوا بالشهادة فإذا أقاموها توجهت عليهم بعد ذلك الشرائع والعبادات، لأنه صلى الله عليه وسلم قد أوجبها مرتبة وقدم فيها الشهادة، ثم تلاها بالصلاة والزكاة، وقال النووي: هذا الاستدلال ضعيف، فإن المراد علمهم بأنهم مطالبون بالصلاة وغيرها في الدنيا، والمطالبة في الدنيا لا تكون إلا بعد الإسلام، وليس يلزم من ذلك أن لا يكونوا مخاطبين بها يزاد في عذابهم بسببها في الآخرة، ثم قال: إعلم أن المختار أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة المأمور به والمنهي عنه، هذا قول المحققين والأكثرين، وقيل: ليسوا مخاطبين، وقيل: مخاطبون بالمنهي دون المأمور. قلت: قال شمس الأئمة في كتابه، في فصل بيان موجب الأمر في حق الكفار: لا خلاف أنهم مخاطبون بالإيمان لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس كافة ليدعوهم إلى الإيمان، قال تعالى: * (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا) * (الأعراف: 851). ولا خلاف أنهم مخاطبون بالمشروع من العقوبات، ولا خلاف أن الخطاب بالمعاملات يتناولهم أيضا، ولا خلاف أن الخطاب بالشرائع يتناولهم في حكم المؤاخذة في الآخرة، فأما في وجوب الأداء في أحكام الدنيا فمذهب العراقيين من أصحابنا أن الخطاب يتناولهم أيضا. والأداء واجب عليهم، ومشايخ ديارنا يقولون: إنهم لا يخاطبون بأداء ما يحتمل السقوط من العبادات.