السابع: استدل به من يرى بعدم وجوب الوتر، لأن بعث معاذ إلى اليمن قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقليل. وقال صاحب (التوضيح): وهذا ظاهر لا إيراد عليه، ومن ناقش به فقد غلط. قلت: ما غلط إلا من استمر على هذا بغير برهان، لأن الراوي لم يذكر جميع المفروضات. ألا ترى أنه لم يذكر الصوم والحج ونحوهما، ولئن سلمنا ما ذكروه، ولكن لا نسلم نفي ثبوت وجوبه بعد ذلك لعدم العلم بالتاريخ، وقد قالت الشافعية: في ردهم قول أحمد حيث تمسك بحديث ابن عكيم في عدم الانتفاع بإجزاء الميتة قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بشهر، ويحتمل أن يكون الإذن في ذلك قبل موته بيوم أو يومين، فكان ينبغي لهم أن يقولوا هنا كما قالوا هناك.
الثامن: ذكر الطيبي وآخرون أن في قوله: (تؤخذ من أغنيائهم). دليلا على أن الطفل تلزمه الزكاة لعموم قوله (تؤخذ من أغنيائهم) قلت قلت: عبارة الشافعية: أن الزكاة لا تجب على الصبي بل تجب في ماله، وكذا في المجنون، واحتجوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن النبي صلى الله عليه وسلم، خطب فقال: ألا من ولي يتيما له مال فليتجر في ماله ولا يتركه حتى تأكله الصدقة). رواه الترمذي، قلنا: الشرط في وجوب الزكاة: العقل والبلوغ، فلا تجب في مال الصبي والمجنون لحديث عائشة، رضي الله تعالى عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق)، وحديث الترمذي ضعيف لأن في إسناده المثنى بن الصباح. فقال أحمد: لا يساوي شيئا. وقال النسائي: متروك الحديث، وقال يحيى: ليش بشيء، وقال الترمذي بعد أن رواه: وفي إسناده مقال لأن المثنى بن الصباح يضعف في الحديث. فإن قلت: رواه الدارقطني من رواية مندل عن أبي إسحاق الشيباني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إحفظوا اليتامى في أموالهم لا تأكلها الزكاة). قلت: مندل بن علي الكوفي ضعفه أحمد، وقال ابن حبان: كان يرفع المراسيل ويسند الموقوفات من سوء حفظه، فلما فحش ذلك منه استحق الترك. فإن قلت: قال الترمذي: وروى بعضهم هذا الحديث عن عمرو بن شعيب أن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه... فذكر هذا الحديث. قلت: ظاهره أن عمرو بن شعيب رواه عن عمر بغير واسطة بينه وبينه وليس كذلك، وإنما رواه الدارقطني والبيهقي بواسطة سعيد بن المسيب من رواية حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب قال: ابتغوا بأموال اليتامى لا تأكلها الصدقة. وقد اختلف في سماع ابن المسيب عن عمر بن الخطاب، والصحيح أنه لم يسمع منه. وقال الترمذي: وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب، فرأى غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مال اليتيم زكاة، منهم: عمر وعلي وعائشة وابن عمر، وبه يقول: مالك والشافعي وأحمد وإسحاق، وقالت طائفة من أهل العلم: ليس في مال اليتيم زكاة، وبه قال: سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك. قلت: وبه قال: أبو حنيفة وأصحابه، وهو قول أبي وائل وسعيد بن جبير والنخعي والشعبي والحسن البصري، وحكي عنه إجماع الصحابة. وقال سعيد بن المسيب: لا تجب الزكاة إلا على من تجب عليه الصلاة والصيام، وذكر حميد بن زنجويه النسائي: أنه مذهب ابن عباس. وفي (المبسوط): وهو قول علي أيضا، وعن جعفر بن محمد عن أبيه مثله، وبه قال شريح، ذكره النسائي.
التاسع: فيه أن المدفوع عين الزكاة وفيه خلاف.
العاشر: أنه ليس في المال حق واجب سوى الزكاة، وروى ابن ماجة من حديث شريك عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس: سمعت النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: ليس في المال حق سوى الزكاة. قلت: قد اختلف نسخ ابن ماجة في لفظه، ففي نسخة: في المال حق سوى الزكاة، وفي نسخة: ليس في المال حق سوى الزكاة. قال الشيخ تقي الدين في (الإمام) هكذا في النسخة التي فيها روايتنا، ورواه البيهقي بلفظ الترمذي: إن في المال لحقا سوى الزكاة، ثم قال: والذي يرويه أصحابنا في التعاليق: ليس في المال حق سوى الزكاة، وقال شيخنا زين الدين، رحمه الله: ليس حديث فاطمة هذا بصحيح، تفرد برفعه أبو حمزة القصاب الأعور الكوفي، واسمه: ميمون، وهو وإن روى عنه الثقات: الحمادان وسفيان وشريك وابن علية وغيرهم، فهو متفق على ضعفه. وقال أحمد: متروك الحديث وقال ابن معين: ليس بشيء، وحكم الترمذي أن هذا الحديث من قول الشعبي أصح، وهو كذلك، وقد صح أيضا عن غيره من التابعين، وروى أيضا عن ابن عمر من قوله: وقال ابن حزم: صح عن الشعبي ومجاهد وطاووس وغيرهم