عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ٢٤٧
وهذا قول أكثر العلماء وذهب مالك إلى أن توبة الزنديق لا تقبل ويحكى ذلك أيضا عن أحمد وقال النووي اختلف أصحابنا في قبول توبة الزنديق وهو الذي ينكر الشرع جملة فذكروا فيه خمسة أوجه لأصحابنا أصحها والأصوب منها قبولها مطلقا للأحاديث الصحيحة المطلقة. والثاني لا تقبل ويتحتم قتله لكنه إن صدق فيه توبته نفعه ذلك في الدال الآخرة وكان من أهل الجنة. والثالث أنه إن تاب مرة واحدة قبلت توبته فإن تكرر ذلك منه لم تقبل. والرابع إن أسلم ابتداء من غير طلب قبل منه وإن كان تحت السيف فلا تقبل. والخامس إن كان داعيا إلى الضلال لم تقبل منه وإلا قبل منه (قلت) تقبل توبة الزنديق عندنا وعن أبي حنيفة إذا أوتيت بزنديق استتبه فإن تاب قبلت توبته وفي رواية عن أصحابنا لا تقبل توبته. وفيه أن الردة لا تسقط الزكاة عن المرتد إذا وجبت في ماله قاله في التوضيح (الأسئلة والأجوبة) منها ما قيل أنه روي في حديث أبي بكر المذكورة ' وتقيم الصلاة وتؤتوا الزكاة ' وأجيب بأنه يحتمل أن يكون ذكره بعد ذلك ويحتمل أن يكون سمعه من ابن عمر أو غيره فأرسله. ومنها ما قيل لو كان منكر الزكاة باغيا لا كافرا لكان في زماننا أيضا كذلك لكنه كافر بالإجماع وأجيب بالفرق وهو أنهم عذروا فيما جرى منهم لقرب العهد بزمان الشريعة الذي كان يقع فيه تبديل الأحكام ولوقوع الفترة بموت رسول الله وكان القوم جهالا بأمور الدين قد أضلتهم الشبهة أما اليوم فقد شاع أمر الدين واستفاض العلم بوجوب الزكاة حتى عرفه الخاص والعام فلا يعذر أحد بتأويله وكان سبيلها سبيل الصلوات الخمس ونحوها. ومنها ما قيل بأن هذا الحديث مشكل لأن أول القصة دل على كفرهم والتفريق بين الصلاة والزكاة يوجب أن يكونوا ثابتين على الدين مقيمين للصلاة وأجيب بأن المخالفين كانوا صنفين صنف ارتدوا كأصحاب مسيلمة وهم الذين عناهم بقوله ' كفر من كفر ' وصنف أقروا بالصلوات وأنكروا الزكاة وهؤلاء على الحقيقة أهل البغي وإنما لم يدعوا بهذا الاسم خصوصا بل أضيف الاسم على الاسم إلى الردة إذ كانت أعظم خطأ وصار مبدأ قتال أهل البغي مؤرخا بأيام علي رضي الله تعالى عنه إذ كانوا منفردين في عصره لم يختلطوا بأهل الشرك على ما ذكرناه عن قريب. ومنها ما قيل أنهم كانوا مؤولين في منع الزكاة محتجين بقوله تعالى * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) * فإن التطهير ونحوه معدوم في غيره وكذا صلاة غيره ليست سكنا ومثل هذه الشبهة توجب العذر لهم والوقوف عن قتالهم وأجيب بأن الخطاب في كتاب الله تعالى على ثلاثة أقسام خطاب عام كقوله تعالى * (إذا قمتم إلى الصلاة) * وخاص بالرسول في قوله * (فتهجد به نافلة لك) * حيث قطع التشريك بقوله نافلة لك وخطاب مواجهة للنبي وهو وجميع أمته في المراد منه سواء كقوله * (أقم الصلاة) * فعلى القائم بعده بأمر الأمر أن يحتذي حذوه في أخذها منه وأما التطهير والتزكية والدعاء من الإمام لصاحبها فإن الفاعل فيها قد ينال ذلك كله بطاعة الله تعالى ورسوله فيها وكل ثواب موعود على عمل كان في زمنه فإنه باق غير منقطع ويستحب للإمام أن يدعو للمتصدق ويرجى أن يستجيب الله ذلك ولا يخيب مسألته * - 2 ((باب البيعة على إيتاء الزكاة)) أي: هذا باب في بيان البيعة على إعطاء الزكاة، والبيعة بفتح الباء مثل: البيع، سميت بذلك تشبيها بالمعاملة في مجلس، ومنه: المبايعة، وهي عبارة عن المعاقدة، والمعاهدة، فإن كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره.
فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ذكر هذه الآية الكريمة تأكيدا لحكم الترجمة، لأن معنى الآية أنه: لا يدخل في التوبة من الكفر ولا ينال أخوة المؤمنين في الدين إلا من أقام الصلاة وآتى الزكاة، وأن بيعة الإسلام لا تتم إلا بالتزام أداء الزكاة، وأن مانعها ناقص لعهده مبطل لبيعته، وكل ما تضمنته بيعة النبي صلى الله عليه وسلم فهو واجب.
(٢٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 ... » »»