هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، يكرهون الصلاة على الجنازة في هذه الأوقات، وقال ابن المبارك: معنى هذا الحديث أن نقبر فيهن موتانا، يعني: الصلاة على الجنازة، وهو قول أحمد وإسحاق، وقال الشافعي: لا بأس أن يصلى على الجنازة في الساعات التي تكره فيها الصلاة.
المسألة الثالثة: هي قوله: (ويرفع يديه)، أي: ويرفع ابن عمر يديه في صلاة الجنازة، قال بعضهم: وصله البخاري في كتاب (رفع اليدين) المفرد من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة على الجنازة. قلت: قوله: (ويرفع يديه). مطلق يتناول الرفع في أول التكبيرات ويتناول الرفع في جميعها، وعدم تقييد البخاري ذلك يدل على أن الذي رواه في كتاب (رفع اليدين) غير مرضي عنده، إذ لو كان رضي به لكان ذكره في (الصحيح) أو قيد قوله:
(ويرفع يديه) بلفظ: في التكبيرات كلها، على أنا قد ذكرنا عن قريب أن ابن حزم حكى عن ابن عمر أنه لم يرفع إلا في الأولى. وقال: لم يأت فيما عدا الأولى نص ولا إجماع، وذكرنا عن أبي هريرة وابن عباس مثله. فإن قلت: روى الطبراني في (الأوسط) من حديث نافع عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه في الكل؟ قلت: إسناده ضعيف فلا يحتج به، والله تعالى أعلم.
وقال الحسن أدركت الناس وأحقهم على جنائزهم من رضوهم لفرائضهم هذا أيضا من جملة ما يستدل به البخاري على جواز إطلاق الصلاة على صلاة الجنازة، فإن الذين أدركهم من الصحابة والتابعين الكبار كانوا يلحقون صلاة الجنازة بالصلوات، ولهذا ما كان أحق بالصلاة على الجنازة إلا من كان يصلي لهم الفرائض، والواو في: وأحقهم، للحال وارتفاعه بالابتداء، وخبره هو قوله: من، وهي موصولة، يعني: الذين. وقوله: رضوهم، صلتها. وقوله: رضوهم بضمير الجمع رواية الحموي والمستملي، وفي رواية غيرهما: رضوه، بإفراد الضمير. وهذا الباب فيه خلاف بين العلماء. قال ابن بطال: أكثر أهل العلم قال: الوالي أحق من الولي، روي ذلك عن جماعة، منهم: علقمة والأسود والحسن، وهو قول أبي حنيفة ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق. وقال أبو يوسف والشافعي: الولي أحق من الوالي، وقال مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ: ليس ذلك إلا إلى من أليه الصلاة من قاض أو صاحب شرطة أو خليفة الوالي الأكبر، وإنما ذلك إلى الوالي الأكبر الذي يؤدي إليه الطاعة، وحكى ابن أبي شيبة عن النخعي وأبي بردة وابن أبي ليلى وطلحة وزبيد وسويد بن غفلة: تقديم إمام الحي، وعن أبي الشعثاء وسالم والقاسم وطاووس ومجاهد وعطاء: أنهم كانوا يقدمون الإمام على الجنازة، وروى ا لثوري عن أبي حازم قال: شهدت الحسين بن علي، رضي الله تعالى عنهما، قدم سعيد بن العاص يوم مات الحسن بن علي، رضي الله تعالى عنهما. وقال له: تقدم، فلولا السنة ما قدمتك، وسعيد يومئذ أمير المدينة. وقال ابن المنذر: ليس في هذا الباب أعلى من هذا، لأن شهادة الحسن شهدها عوام الناس من الصحابة والمهاجرين والأنصار.
وإذا أحدث يوم العيد أو عند الجنازة يطلب الماء ولا يتيمم الظاهر أن هذا من بقية كلام الحسن، لأن ابن أبي شيبة روى عن حفص على أشعث عن الحسن أنه سئل عن الرجل يكون في الجنازة على غير وضوء، قال: لا يتيمم ولا يصلي إلا على طهر. فإن قلت: روى سعيد بن منصور عن حماد بن زيد عن كثير بن شنظير، قال: سئل الحسن عن الرجل يكون في الجنازة على غير وضوء، فإن ذهب يتوضأ تفوته. قال: يتيمم ويصلي. قلت: يحمل هذا على أنه روى عنه روايتان، ويدل ذكر البخاري هذا على أنه لم يقف عن الحسن إلا على ما روى عنه من عدم جواز الصلاة على الجنازة إلا بالوضوء، أما التيمم لصلاة الجنازة فقد مر الكلام فيه مستوفى عن قريب.
وأما التيمم لصلاة العيد فعلى التفصيل عندنا، وهو أنه إن كان قبل الشروع في صلاة العيد لا يجوز للإمام، لأنه ينتظر، وأما المقتدي فإن كان الماء قريبا بحيث لو توضأ لا يخاف الفوت لا يجوز، وإلا فيجوز، فلو أحدث أحدهما بعد الشروع بالتيمم يتيمم وإن كان الشروع بالوضوء وخاف ذهاب الوقت لو توضأ، فكذلك عند أبي حنيفة خلافا لهما. وفي (المحيط) وإن كان الشروع بالوضوء وخاف زوال الشمس لو توضأ يتيمم بالإجماع، وإلا فإن كان يرجو إدراك الإمام قبل الفراغ لا يتيمم بالإجماع، وإلا يتيمم ويبني عند أبي حنيفة. وقالا: يتوضأ ولا يتيمم، فمن المشايخ من قال: هذا اختلاف عصر وزمان، ففي زمن أبي حنيفة كانت