عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ١٢٢
على القبر، سدا للذريعة في الصلاة على القبور. وقال أصحابنا: لما اختلفت الأحوال في ذلك فوض الأمر إلى رأي المبتلي به. فإن قلت: روى البخاري عن عقبة بن عامر أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين؟ قلت: حمل ذلك على الدعاء، قاله بعض أصحابنا: وفيه نظر، لأن الطحاوي روى عن عقبة أنه صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على قتلى أحد صلاته على الميت. قلت: الجواب السديد أن أجسادهم لم تبل.
65 ((باب سنة الصلاة على الجنازة)) أي: هذا باب في بيان سنة الصلاة على الجنازة، والمراد من السنة ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة من الشرائط، والأركان. ومن الشرائط أنها لا تجوز بغير الطهارة، ولا تجوز عريانا، ولا تجوز بغير استقبال القبلة. ومن الأركان: التكبيرات. وقال الكرماني: غرض البخاري بيان جواز إطلاق الصلاة على صلاة الجنازة، وكونها مشروعة، وإن لم تكن ذات الركوع والسجود فاستدل عليه تارة بإطلاق اسم الصلاة عليه، والآمر بها. وتارة بإثبات ما هو من خصائص الصلاة، نحو: عدم التكلم فيها، وكونها مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم وعدم صحتها إلا بالطهارة، وعدم أدائها عند الوقت المكروه، وبرفع اليد وإثبات الأحقية بالإمامة، ولوجوب طلب الماء له والدخول فيها بالتكبير، ويكون استفتاحها بالتكبير، وبقوله تعالى: * (ولا تصل على أحد منهم مات) *. فإنه أطلق الصلاة عليه، حيث نهى عن فعلها، وبكونها ذات صفوف وإمام، وحاصله أن الصلاة لفظ مشترك بين ذات الأركان المخصوصة من الركوع ونحوه، وبين صلاة الجنازة، وهو حقيقة شرعية فيهما. انتهى. قلت: في قوله: وحاصله... إلى آخره، فيه نظر، لأن الصلاة في اللغة والدعاء والاتباع، وقد استعملت في الشرع فيما لم يجد فيه الدعاء والاتباع: كصلاة الأخرس المنفردة، وصلاة من لا يقدر على القراءة وحده، ثم إن الشارع استعملها في غير معناها اللغوي، وغلب استعمالها فيها بحيث يتبادر الذهن إلى المعنى الذي استعملها الشارع فيه عند الإطلاق، وهي مجاز هجرت حقيقته بالشرع فصارت حقيقة شرعية، وليست بمشتركة بين الصلاة المعهودة في الشرع وبين صلاة الجنازة، فلا تكون حقيقة شرعية فيهما، ولا يفهم من كلام البخاري الذي نقله عنه الكرماني أن إطلاق لفظ الصلاة على صلاة الجنازة بطريق الحقيقة لا بطريق الاشتراك بين الصلاة المعهودة وصلاة الجنازة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم من صلى على الجنازة هذا استدل به البخاري على جواز إطلاق الصلاة على صلاة الجنازة، فإنه صلى الله عليه وسلم قال: من صلى على الجنازة... فأطلق بلفظ (صلى على الجنازة)، ولم يقل: من دعا للجنازة، ونحو ذلك، وهذا طرف من حديث أبي هريرة أخرجه موصولا في: باب من انتظر حتى تدفن، ولكن لفظة: (من شهد الجنازة حتى يصلي فله قيراط...) الحديث، ولفظ مسلم: (من صلى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط، وإن تبعها فله قيراطان).
وقال صلوا على صاحبكم هذا استدل به على ما ذهب إليه من إطلاق الصلاة على صلاة الجنازة بالأمر بالصلاة عليها حيث قال: (صلوا)، وهو طرف من حديث سلمة بن الأكوع، أخرجه موصولا في أوائل الحوالة مطولا، وأوله: (كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتي بجنازة، فقالوا: صل عليها...) الحديث، وفيه: قال: (هل عليه دين؟ قالوا: ثلاثة دنانير! قال: صلوا على صاحبكم). الحديث.
وقال صلوا على النجاشي هذا أيضا بطريق الأمر، وقد تقدم هذا في: باب الصفوف على الجنازة، ولكن لفظه هنا، فصلوا عليه.
سماها صلاة ليس فيها ركوع ولا سجود أي: سمى النبي صلى الله عليه وسلم الهيئة الخاصة التي يدعى فيها للميت: صلاة، والحال أنه ليس فيها ركوع ولا سجود، ولكن التسمية ليست بطريق الحقيقة، ولا بطريق الاشتراك، ولكن بطريق المجاز.
ولا يتكلم فيها وفيها تكبير وتسليم أي: ولا يتكلم في صلاة الجنازة، وهذا أيضا من جملة جواز إطلاق الصلاة على صلاة الجنازة بإثبات ما هو من
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»