مطابقته للترجمة من حيث اشتماله على الكفن في القميص، وذلك أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أعطى قميصه لعبد الله ابن أبي وكفن فيه.
ورجاله قد ذكروا غير مرة، و يحيى بن سعيد هو القطان، و عبيد الله بن عمر العمري.
وأخرجه البخاري أيضا في اللباس عن صدقة بن الفضل. وأخرجه مسلم في اللباس وفي التوبة عن محمد بن المثنى وأبي قدامة. وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمد بن بشار. وأخرجه النسائي فيه وفي الجنائز عن عمرو بن علي. وأخرجه ابن ماجة فيه عن أبي بشر بكر بن خلف.
ذكر معناه: قوله: (أن عبد الله بن أبي)، بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف: ابن سلول رأس المنافقين، وأبي هو: أبو مالك بن الحارث بن عبيد، وسلول امرأة من خزاعة، وهي أم أبي مالك بن الحارث وأم عبد الله ابن أبي: خولة بنت المنذر بن حرام من بني النجار، وكان عبد الله سيد الخزرج في الجاهلية، وكان عبد الله هذا هو الذي تولى كبره في قصة الصديقة، وهو الذي قال: ليخرجن الأعز منها الأذل. وقال: لا تنفقوا علي من عند رسول الله حتى ينفضوا، ورجع يوم أحد بثلث العسكر إلى المدينة بعد أن خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: (لما توفي) قال الواقدي: مرض عبد الله بن أبي في ليال بقين من شوال، ومات في ذي القعدة سنة تسع منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك، وكان مرضه عشرين ليلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده فيها، فلما كان اليوم الذي توفي فيه دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجود بنفسه، فقال: قد نهيتك عن حب اليهود، فقال: قد أبغضهم أسعد بن زرارة فما نفعه، ثم قال: يا رسول الله ليس هذا بحين عتاب هو الموت فإن مت فاحضر غسلي وأعطني قميصك الذي يلي جسدك فكفني فيه وصل علي واستغفر لي، ففعل ذلك به رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الحاكم: كان على النبي صلى الله عليه وسلم قميصان، فقال عبد الله: وأعطني قميصك الذي يلي جسدك فأعطاه إياه. وفي حديث الباب أن ابنه هو الذي أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه على ما يجيء الآن. قوله: (جاء ابنه) أي: ابن عبد الله بن أبي، وكان اسمه: الحباب، بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة وفي آخره باء أيضا، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الله كاسم أبيه، وهو من فضلاء الصحابة وخيارهم، شهد المشاهد واستشهد يوم اليمامة في خلافة أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، وكان أشد الناس على أبيه، ولو أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه لضرب عنقه. قوله: (فقال: أعطني قميصك)، القائل هو عبد الله بن عبد الله بن أبي. قوله: (أكفنه فيه) أي: أكفن عبد الله بن أبي فيه. قوله: (فأعطاه قميصه) أي: أعطي النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عبد الله قميصه، وهذا صريح في أن ابنه هو الذي أعطى له رسول الله قميصه، وفي رواية للبخاري: عن جابر، رضي الله تعالى عنه، على ما سيأتي، إن شاء الله تعالى، أنه أخرج بعدما أدخل حفرته فوضعه على ركبته ونفث فيه من ريقه وألبسه قميصه، وكان أهل عبد الله بن أبي خشوا على النبي صلى الله عليه وسلم المشقة في حضوره، فبادروا إلى تجهيزه قبل وصول النبي صلى الله عليه وسلم، فلما وصل وجدهم قد دلوه في حفرته، فأمرهم بإخراجه إنجازا لوعده في تكفينه في القميص والصلاة عليه. فإن قلت: في رواية الواقدي: إن عبد الله بن أبي هو الذي أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم القميص، وفي رواية البخاري أن ابنه هو الذي أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية جابر أنه ألبسه قميصه بعدما أخرجه من حفرته؟ قلت: رواية الواقدي وغيره لا تقاوم رواية البخاري، وأما التوفيق بين رواتي ابن عمر وجابر رضي الله تعالى عنهم، فقيل: إن معنى قوله في حديث ابن عمر: فأعطاه، أي: أنعم له بذلك، فأطلق على الوعد اسم العطية مجازا لتحقق وقوعها. وقال ابن الجوزي، يجوز أن يكون أعطاه قميصين قميصا للكفن ثم أخرجه فألبسه غيره، والله أعلم. فإن قلت: ما الحكمة في دفع قميصه له وهو كان رأس المنافقين؟ قلت: أجيب عن هذا بأجوبة. فقيل: كان ذلك إكراما لولده. وقيل : لأنه ما سئل شيئا فقال: لا. وقيل: إنه صلى الله عليه وسلم قال: إن قميصي لن يغني عنه شيئا من الله، إني أؤمل من أبيه أن يدخل في الإسلام بهذا السبب، فروى أنه أسلم من الخزرج ألف ما رأوه يطلب الاستشفاء بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه، وقال أكثرهم: إنما ألبسه قميصه مكافأة لما صنع في إلباس العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم قميصه يوم بدر، وكان العباس طويلا فلم يأت عليه إلا قميص ابن أبي، وروى عبد بن حميد عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم: لم يخدع إنسانا قط، غير أن ابن أبي قال يوم الحديبية كلمة حسنة، وهي: أن الكفار قالوا: لو طفت أنت بالبيت؟ فقال: لا، لي في رسول الله إسوة حسنة، فلم يطف. قوله: (فقال: آذني) أي: أعلمني، وهو أمر من: آذن ويؤذن إيذانا. قوله: (أصل عليه) يجوز فيه الوجهان: الجزم جوابا للأمر، وعدم الجزم استئنافا.