عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ٨٧
الأصل حبل أو قيد يشد به الأسير أو الدابة. قوله: (بهجتها) أي: حسنها ونضارتها. قوله: (لا أكون أشقى خلقك) قال السفاقسي: كذا هنا... (لأكون) وفي رواية أبي الحسن: (لاأكونن)، والمعنى: إن أنت أبقيتني على هذه الحالة ولا تدخلني الجنة لأكونن أشقى خلقك الذين دخلوها، والألف زائدة يعني في قوله: (لا أكون أشقى خلقك) وقال الكرماني: قوله: (لا أكون أشقى خلقك) أي: كافرا، ثم قال: فإن قلت: كيف طابق هذا الجواب لفظ: (أليس قد أعطيت العهود)؟ قلت: كأنه قال: يا رب أعطيت، لكن كرمك يطمعني إذ لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. قوله: (فما عسيت إن أعطيت ذلك) كلمة: ما استفهامية، واسم: عسى، هو الضمير، وخبره هو قوله: (أن تسأل) وقوله: (إن أعطيت) جملة معترضة، وهو على صيغة المجهول، وقوله: (ذلك) مفعول ثان: لأعطيت، أي: إن أعطيت القديم إلى باب الجنة. وقوله: (غيره) مفعول (أن تسأل) أي: غير التقديم إلى باب الجنة. وكلمة: (إن) في: (إن أعطيت) مكسورة، وهي شرطية والتي في: (أن تسأل) مفتوحة مصدرية ويروى: (أن لا تسأل)، بزيادة لفظة: لا، ووجهها، إما أن تكون زائدة كما في قوله تعالى: * (لئلا يعلم أهل الكتاب) * (الحديد: 29). وإما أن تكون على أصلها، وتكون كلمة: (ما) في قوله: (فما عسيت) نافية، ونفي النفي إثبات. وقال الكرماني هنا فإن قلت: كيف يصح هذا من الله تعالى وهو عالم بما كان وما يكون؟ قلت: معناه أنكم يا بني آدم لما عهد عنكم نقض العهد أحقاء بأن يقال لكم ذلك، وحاصله أن معنى: عسى، راجع إلى المخاطب لا إلى الله تعالى. قوله: (فيقول: لا) أي: فيقول الرجل: لا يا رب لا أسأل غيره وحق عزتك. قوله: (فيعطي ربه) أي: فيعطي الرجل ربه ما شاء من العهد والميثاق. قوله: (فإذا بلغ بابها) أي: باب الجنة. قوله: (فرأى زهرتها) عطف على: بلغ، وجواب: إذا محذوف تقديره: فإذا بلغ إلى آخره سكت، ثم بين سكوته بقوله: (فيسكت)، بالفاء التفسيرية، ثم إن سكوته بمقدار مشيئة الله تعالى إياه، وهو معنى قوله: (فيسكت ما شاء الله أن يسكت) وكلمة: أن، هذه مصدرية أي: ما شاء الله سكوته. وقال الكلاباذي: إمساك العبد عن السؤال حياء من ربه، عز وجل، والله تعالى يحب سؤاله لأنه يحب صوته، فيباسطه بقوله: لعلك إن أعطيت هذا تسأل غيره؟ وهذه حال المقصر، فكيف حال المطيع، وليس نقض هذا العبد عهده وتركه أقسامه جهلا منه، ولا قلة مبالاة، بل علما منه بأن نقض هذا العهد أولى من الوفاء، لأن سؤاله ربه أولى من إبرار قسمه، لأنه علم قول نبيه صلى الله عليه وسلم: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير). قوله: (ويحك) كلمة رحمة، كما أن: ويلك كلمة عذاب، وقيل: هما بمعنى واحد. قوله: (ابن آدم) أي: يا ابن آدم. قوله: (ما أغدرك)، فعل التعجب، والغدر ترك الوفاء. قوله: (أليس قد أعطيت) على صيغة المعلوم. قوله: (غير الذي أعطيت) على صيغة المجهول. قوله: (فيضحك الله منه)، أي: من فعل هذا الرجل، والمراد من الضحك لازمه، وهو الرضى منه وإرادة الخير له، لأن إطلاق حقيقة الضحك على الله تعالى لا يتصور، وأمثال هذه الإطلاقات كلها يراد بها لوازمها. قوله: (تمن) أمر من التمني، ويروى: (تمن كذا وكذا). قوله: (حتى إذا انقطع) ويروى: (إذا انقطعت)، وقد علم أن إسناد الفعل إلى مثل هذا الفاعل يجوز فيه التذكير والتأنيث. قوله: (زد من كذا وكذا) أي: من أمانيك التي كانت لك قبل أن أذكرك بها. قوله: (أقبل)، فعل ماض من الإقبال، والضمير فيه يرجع إلى الله تعالى، وكذا الضمير المرفوع في قوله: (يذكره)، وقد تنازع هذان الفعلان في قوله: (ربه). فإن قلت: ما موقع هاتين الجملتين؟ أعني: (أقبل يذكره؟) قلت: بدل من قوله: قال الله عز وجل: زد قوله: (الأماني) جمع أمنية. قوله: (لك ذلك) أي: ما سألته من الأماني. قوله: (ومثله معه) جملة من المبتدأ والخبر وقعت حالا. قوله: (لك ذلك وعشرة أمثاله)، أي: وعشرة أمثال ما سألته، وهذا في خبر أبي سعيد الخدري، ووجه الجمع بين خبره وخبر أبي هريرة لأن في خبر أبي هريرة: ومثله، وفي خبر أبي سعيد: وعشرة أمثاله، هو أنه صلى الله عليه وسلم، أخبر أولا بالمثل، ثم اطلع على الزيادة تكرما، ولا يحتمل العكس، لأن الفضائل لا تنسخ. وقال الكرماني: أعلم أولا بما في حديث أبي هريرة، ثم تكرم الله فزادها فأخبر به صلى الله عليه وسلم ولم يسمعه أبو هريرة.
ذكر ما يستفاد منه: فيه: إثبات الرؤية للرب عز وجل نصا من كلام الشارع، وهو تفسير قوله جل جلاله: * (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) * (القيامة: 22، 23). يعني: مبصرة، ولو لم يكن هذا القول من الشارع بالرؤية نصا لكان ما في الآية كفاية لمن انصف، وذلك أن النظر إذا قرن بذكر الوجه لم يكن إلا نظر البصر، وإذا قرن بذكر القلوب كان بمعنى اليقين، فلا يجوز
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 ... » »»