الطاغوت الساحر، قاله أبو العالية ومحمد بن سيرين، وعن سعيد بن جبير وابن جريج: هو الكاهن. وفي (المعاني) للزجاج: الطاغوت مردة أهل الكتاب. وفي (ديوان الأدب): تاؤه غير أصلية. قوله: (وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها) أي: تبقى أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والحال أن فيهم منافقيها، فهذا يدل على أن المنافقين يتبعون محمدا صلى الله عليه وسلم لما انكشف لهم من الحقيقة رجاء منهم أن ينتفعوا بذلك، لأنهم كانوا في الدنيا متسترين بهم فتستروا أيضا في الآخرة، واتبعوهم زاعمين الانتفاع بهم حتى ضرب بينهم بسور له باب، باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب. وقال القرطبي: ظن المنافقون أن تسترهم بالمؤمنين في الآخرة ينفعهم كما نفعهم في الدنيا جهلا منهم، فاختلطوا معهم في ذلك اليوم، ويحتمل أن يكونوا حشروا معهم لما كانوا يظهرون من الإسلام، فحفظ ذلك عليهم حتى ميز الله الخبيث من الطيب، ويحتمل أنه لما قيل: ليتبع كل أمة لما كانت تعبد، والمنافقون لم يعبدوا شيئا، فبقوا هنالك حيارى حتى ميزوا. وقيل: هم المطرودون عن الحوض المقول فيهم: سحقا سحقا. قوله: (فيأتيهم الله عز وجل). وفي رواية أخرى: (فيأتيهم في غير الصورة التي يعرفون فيقولون: نعوذ بالله منك). الإتيان هنا إنما هو كشف الحجب التي بين أبصارنا وبين رؤية الله عز وجل، لأن الحركة والانتقال لا تجوز على الله تعالى، لأنها صفات الأجسام المتناهية، والله تعالى لا يوصف بشيء من ذلك، فلم يكن معنى الإتيان إلا ظهوره عز وجل إلى أبصار لم تكن تراه ولا تدركه، والعادة أن من غاب عن غيره لا يمكنه رؤيته إلا بالإتيان، فعبر به عن الرؤية مجازآ، لأن الإتيان مستلزم للظهور على المأتي إليه. وقال القرطبي: التسليم الذي كان عليه السلف أسلم. وقال عياض: إن الإتيان فعل من أفعال الله تعالى، سماه إتيانا، وقيل: يأتيهم بعض ملائكته. قال القاضي: وهذا الوجه عندي أشبه بالحديث، قال: ويكون هذا الملك الذي جاءهم في الصورة التي أنكروها من سمات الحدوث الظاهرة عليه، أو يكون معناه: يأتيهم في صورة لا تشبه صفات الإل 1764; هية ليختبرهم، وهو آخر امتحان المؤمنين، فإذا قال لهم، هذا الملك أو هذه الصورة: أنا ربكم، ورأوا عليه من علامات المخلوق ما ينكرونه ويعلمون أنه ليس ربهم، فيستعيذون بالله تعالى منه، وقال الخطابي: الرؤية هي ثواب الأولياء وكرامات لهم في الجنة غير هذه الرؤية، وإنما تعريضهم هذه الرؤية امتحان من الله تعالى ليقع التمييز بين من عبد الله وبين من عبد الشمس ونحوها، فيتبع كل من الفريقين معبوده، وليس ينكر أن يكون الامتحان إذ ذاك بعد قائما، وحكمه على الخلق جاريا حتى يفرغ من الحساب، ويقع الجزاء بالثواب والعقاب، ثم ينقطع إذا حققت الحقائق. واستقرت أمور المعاد، وأما ذكر الصورة فإنها تقتضي الكيفية والله منزه عن ذلك، فيأول إما بأن تكون الصورة بمعنى الصفة، كقولك: صورة هذا الأمر كذا، تريد صفته. وإما بأنه خرج على نوع من المطابقة، لأن سائر المعبودات المذكورة لها صورة: كالشمس وغيرها. قوله: (هذا مكاننا) جملة من المبتدأ والخبر، إنما قالوا: هذا مكاننا من أجل أن معهم من المنافقين الذين لا يستحقون الرؤية وهم عن ربهم محجوبون، فلما تميزوا عنهم ارتفع الحجاب، فقالوا عندما رأوه: أنت ربنا، وإنما عرفوا أنه ربهم حتى قالوا: أنت ربنا، إما بخلق الله تعالى فيهم علما به، وإما بما عرفوا من وصف الأنبياء لهم في الدنيا، وإما بأن جميع العلوم يوم القيامة تصير ضرورية. قوله: (فيأتيهم الله، عز وجل، فيقول: أنا ربكم)، إنما كرر هذا اللفظ لأن الأول: ظهور غير واضح لبقاء بعض الحجب مثلا، والثاني: ظهور واضح في الغاية، أبهم أولا ثم فسره ثانيا بزيادة بيان قولهم، وذكر المكان ودعوتهم إلى دار السلام. وقال الكرماني: أو يراد من الأول إتيان الملك ففيه إضمار. وقال: فإن قلت: الملك معصوم، فكيف يقول: أنا ربكم، وهو كذب؟ قلت: قيل: لا نسلم عصمته من مثل هذه الصغيرة، ولئن سلمنا ذلك فجاز لامتحان المؤمنين. وقال: فإن قلت: المنافقون لا يرون الله، فما توجيه الحديث؟ قلت: ليس فيه التصريح برؤيتهم، وإنما فيه أن الأمة تراه، وهذا لا يقتي أن يراه جميعها، كما يقال: قتله بنو تميم، والقاتل واحد منهم، ثم لو ثبت التصريح به عموما فهو مخصص بالإجماع، وسائر الأدلة، أو خصوصا فهو معارض بمثلها، وهذا من المتشابهات في أمثالها. والأمة طائفتان: مفوضة يفوضون الأمر فيها إلى الله تعالى جازمين بأنه منزه عن النقائص، ومأولة يأولونها على ما يليق به. قوله: (فيدعوهم) أي: فيدعوهم الله تعالى. قوله: (فيضرب الصراط)، ويروى: (ويضرب الصراط) بالواو، وفي بعض النسخ: (ثم يضرب الصراط)، والصراط: جسر ممدود على متن جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف، عليه ملائكة يحبسون العباد في سبع مواطن ويسألونهم عن سبع خصال: في الأول عن الإيمان، وفي الثاني عن الصلاة، وفي الثالث عن الزكاة، وفي الرابع عن شهر رمضان، وفي الخامس
(٨٤)