ما حملهم على ذلك؟ قلت: خشية أن يبدو في حقه شيء، ظنا منهم أنه أخطأ فيما فعل، ورجاء أن يقع العفو عنه، والدليل على ظنهم ذلك ما جاء في رواية ابن قانع، من حديث سعيد بن عبد الجبار: عن رفاعة بن يحيى قال رفاعة: (فوددت أني أخرجت من مالي وأني لم أشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة). قوله: (يبتدرونها) أي: يسعون في المبادرة. يقال: ابتدروا الصلاح أي: سارعوا إلى أخذه، وفي رواية النسائي: (أيهم يصعد بها أول). وفي رواية الطبراني، من حديث أبي أيوب: أيهم، يرفعها. قوله: (أيهم)، بالرفع على أنه مبتدأ وخبره هو قوله: (يكتبها)، ويجوز في: أيهم، النصب على تقدير: ينظرون أيهم يكتبها. وأي: موصولة عند سيبويه، والتقدير: يبتدرون الذي هو يكتبها أول. قوله: (أول)، مبني على الضم بأن حذف المضاف إليه منه، تقديره: أولهم، يعني: كل واحد منهم يسرع ليكتب هذه الكلمات قبل الآخر ويصعد بها إلى حضرة الله تعالى لعظم قدرها. ويروى: (أول) بالفتح ويكون حالا. فإن قلت: ما الفرق بين: يكتبها أول، وبين: يصعد بها؟ قلت: يحمل على أنهم يكتبونها ثم يصعدون بها. وقال الجوهري: أصل أول أو: آل، على وزن أفعل مهموز الوسط، فقلبت الهمزة واوا وأدغمت الواو في الواو، وقيل: أصله: وول، على فوعل، فقلبت الواو الأولى همزة، وإذا جعلته صفة لم تصرفه، تقول: لقيته عاما أول، وإذا لم تجعله صفة صرفته نحو: رأيته أولا.
ذكر ما يستفاد منه: فيه: ثواب التحميد لله والذكر له. وفيه: دليل على جواز رفع الصوت بالذكر ما لم يشوش على من معه. وفيه: دليل على أن العاطس في الصلاة يحمد الله بغير كراهة، لأنه لم يتعارف جوابا، ولكن لو قال له آخر: يرحمك الله وهو في الصلاة فسدت صلاته، لأنه يجري في مخاطبات الناس، فكان من كلامهم. وبعضهم خصص الحديث بالتطوع وهو غير صحيح لما بينا أنه كان صلاة المغرب، وروي عن أبي حنيفة أن العاطس يحمد الله في نفسه ولا يحرك لسانه، ولو حرك تفسد صلاته، كذا في (المحيط): والصحيح خلاف، هذا كما ذكرنا. وفيه: دليل على أن من كان في الصلاة فسمع عطسة رجل لا يتعين عليه تشميته، ولهذا قلنا لو شمته تفسد صلاته.
127 ((باب الإطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع)) أي: هذا باب في بيان الاطمئنان حين يرفع المصلي رأسه من الركوع. قوله: (الإطمأنينة) كذا هو في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: (باب الطمأنينة)، وهي الأصح، والموجودة في اللغة كما ذكرنا في: باب حد إتمام الركوع.
وقال أبو حميد رفع النبي صلى الله عليه وسلم فاستوى جالسا حتى يعود كل فقار مكانه مطابقته للترجمة في قوله: (فاستوى)، معناه: فاستوى قائما. وقوله: (جالسا)، لم يقع إلا في رواية كريمة، وليس له وجه إلا إذا أريد بالجلوس السكون، فيكون من باب ذكر الملزوم وإرادة اللازم، ومفعول: رفع، محذوف تقديره: رفع رأسه من الركوع، والفقار، بفتح الفاء وتخفيف القاف جمع: فقارة الظهر، وهي خرزاته. والمعنى: حتى يعود جميع الفقار مكانه، وهذا التعليق وصله البخاري في: باب سنة الجلوس للتشهد، على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
800 حدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة عن ثابت قال كان أنس ينعت لنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فكان يصلي فإذا رفع رأسه من الركوع قام حتى نقول قد نسي (الحديث 800 طرفه في: 821).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو الوليد: هشام بن عبد الملك الطيالسي. وهذا الحديث تفرد به البخاري، وساقه شعبة عن ثابت مختصرا، ورواه حماد بن زيد مطولا، كما يأتي في: باب المكث بين السجدتين. قوله: (ينعت)، بفتح العين: أي: يصف. قوله: (حتى نقول)، بالنصب: إلى أن نقول نحن قد نسي وجوب الهوى إلى السجود، هكذا فسره الكرماني. وقال بعضهم: يحتمل أن يكون المراد أنه نسي أنه في الصلاة، وأظن أنه وقت القنوت، حيث كان معتدلا. أو التشهد حيث كان جالسا. قلت: هذه الظنون كلها لا تليق في حق النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان تطويله في استوائه قائما لأجل الطمأنينة والاعتدال.