عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ١٢٧
(كنت أعرف) وفي الحديث السابق: (كنت أعلم)، وبين المعرفة والعلم فرق، وهو أن المعرفة تستعمل في الجزئيات والعلم في الكليات، ولكن: أعلم، هنا بمعنى: أعرف، ولا يطلب الفرق. فافهم. قوله: (التكبير) وفي الحديث الأول: بالذكر، فالذكر أعم من التكبير، والتكبير أخص، فيحتمل أن يكون قوله: (بالتكبير) تفسيرا لقوله: بالذكر، ومن هذا قال الكرماني: بالتكبير أي: بذكر الله.
قال علي حدثنا سفيان عن عمر و قال كان أبو معبد أصدق موالي ابن عباس قال علي واسمه نافذ أشار البخاري، رضي الله تعالى عنه، بما نقله عن علي بن المديني عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار المذكورين قبله أن حديث أبي معبد هذا لا يقدح في صحته لأجل ما روى أحمد في (مسنده) هذا الحديث. ثم قال: وإنه يعني: أبا معبد قال بالتكبير، ثم ساقه به. قال عمرو: قد ذكرت لأبي معبد فأنكره، وقال: لم أحدثك بهذا. قال عمرو: فقد أخبرنيه قبل ذلك، وكذا وقع في رواية مسلم: قال عمرو: ذكرت ذلك لأبي معبد بعد وأنكره، وقال: لم أحدثك بهذا. قال عمرو: وقد أخبرنيه قبل ذلك، قال الشافعي، بعد أن رواه عن سفيان: كأنه نسيه بعد أن حدثه به. انتهى. فهذا يدل على أن مسلما كان يرى صحة الحديث، ولو أنكره راويه، إذا كان الناقل عنه عدلا، ولا شك أن عمرو بن دينار كان عدلا، وكذا لا شك أن أبا معبد كان عدلا، فلذلك قال عمرو، فيما حكاه عنه البخاري بواسطة علي وسفيان: كان أبو معبد أصدق موالي ابن عباس. قال الكرماني: فإن قلت: الصدق هو مطابقة الكلام للواقع على الصحيح، وذلك لا يقبل الزيادة والنقصان؟ قلت: الزيادة إنما هي بالنسبة إلى أفراد الكلام، يعني إفراد كلامه الصدق أكثر من إفراد كلام سائر الموالي. واعلم أن قوله: وقال علي.. إلى آخره، زيادة لم تثبت إلا في رواية المستملي والكشميهني، واعلم أيضا أن الراوي إذا أنكر روايته لا يخلو إما أن يكون إنكار جحود وتكذيب للفرع بأن قال: كذبت علي، لم يعمل بهذا الخبر بلا خلاف بين الأئمة، أو يكون إنكار توقف لا إنكار تكذيب وجحود، بأن قال: لا أذكر أني رويت ذلك، هذا أو لا أعرفه، فقد اختلف فيه، فذهب أبو حنيفة وأبو يوسف وأحمد في رواية إلى: أنه يسقط العمل به، كالوجه الأول، وهو مختار الكرخي والقاضي أبي زيد وفخر الإسلام، وذهب محمد ومالك والشافعي إلى: أنه لا يسقط العمل به، ونسيان الأصل لا يقدح فيه كما لو جن أو مات. وقيل: عدم الرواية بإنكار المروي عنه قول أبي يوسف. وقال محمد: لا تسقط الرواية بإنكاره، وهذا الخلاف بينهما فرغ اختلافهما في شاهدين شهدا على القاضي بقضية، والقاضي لا يذكر قضاءه، فإنه يقبل عند محمد، ولا يقبل عند أبي يوسف. وذكر الإمام فخر الدين في (المحصول) في هذه المسألة تقسيما حسنا، وهو أن رواي الفرع إما أن يكون جازما بالرواية أو لا، فإن كان جازما فالأصل إما أن يكون جازما بالإنكار أو لا، فإن كان الأول فقد تعارضا، فلا يقبل الحديث، وإن كان الثاني فإما أن يكون الأغلب على الظن إني رويته، أو الأغلب أني ما رويته، أو الأمران على السواء، أو لا يقول شيئا من ذلك، فالأشبه أن يكون الخبر مقبولا في جميع هذه الأقسام، وإن كان الفرع غير جازم بل يقول: أظن أني سمعت منك، فإن جزم الأصل: بأني ما رويته لك، تعين الرد، وإن قال: أظن إني ما رويته لك تعارضا، وإن ذهب إلى سائر الأقسام، فالأشبه قبوله، والضابط أنه إذا كان قول الأصل معادلا لقول الفرع تعارضا، وإذا ترجح أحدهما على الآخر فالمعتير الراجح.
843 حدثنا محمد بن أبي بكر قال حدثنا معتمر عن عبيد الله عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال جاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلا والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون قال ألا أحدثكم بما إن أخذتم به أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد بعدكم وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله تسبحون
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»