مطيرة، بفتح الميم وكسر الطاء، أي: كثيرة المطر. قوله: (قال: عسى) أي: قال جابر بن زيد: عسى ذلك كان في الليلة المطيرة، فاسم عسى وخبره محذوفان.
ذكر ما يستفاد منه: تكلمت العلماء في هذا الحديث، فأوله بعضهم على أنه جمع بعذر المطر، ويؤيد هذا ما رواه أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس، قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر. قال مالك: أرى ذلك كان في مطر). وأخرجه مسلم والنسائي، وليس فيه كلام مالك، رحمه الله. وقال الخطابي: وقد اختلف الناس في جواز الجمع بين الصلاتين للمطر في الحضر فأجازه جماعة من السلف، روي ذلك عن ابن عمر، وفعله عروة بن الزبير، رضي الله تعالى عنهم، وابن المسيب وعمر ابن عبد العزيز وأبو بكر بن عبد الرحمن وأبو سلمة وعامة فقهاء المدينة، وهو قول مالك والشافعي وأحمد بن حنبل، غير أن الشافعي اشترط في ذلك أن يكون المطر قائما في وقت افتتاح الصلاتين معا، وكذلك قال أبو ثور ولم يشترط ذلك غيرهما. وكان مالك يرى أن يجمع الممطور في الطين وفي حالة الظلمة، وهو قول عمر بن عبد العزيز. وقال الأوزاعي وأصحاب الرأي: يصلي الممطور كل صلاة في وقتها. قلت: هذا التأويل ترده الرواية الأخرى (من غير خوف ولا مطر) وأوله بعضهم على أنه كان في غيم فصلى الظهر، ثم انكشف وبان أن أول وقت العصر دخل فصلاها، وهذا باطل لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فلا احتمال فيه في المغرب والعشاء، وأوله آخرون على أنه كان بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار. وقال النووي وهو قول أحمد والقاضي حسين من أصحابنا، واختاره الخطابي والمتولي والروياني من أصحابنا، وهو المختار لتأويله لظاهر الحديث، ولأن المشقة فيه أشق من المطر. قلت: هذا أيضا ضعيف لأنه مخالف لظاهر الحديث، وتقييده بعذر المطر ترجيح بلا مرجح وتخصيص بلا مخصص، وهو باطل، وأحسن التأويلات في هذا وأقربها إلى القبول أنه على تأخير الأولى إلى آخر وقتها فصلاها فيه، فلما فرغ عنها دخلت الثانية فصلاها، ويؤيد هذا التأويل ويبطل غيره ما رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود، قال: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير وقتها إلا بجمع، فإنه جمع بين المغرب والعشاء بجمع، وصلى صلاة الصبح من الغد قبل وقتها). وهذا الحديث يبطل العمل بكل حديث فيه جواز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، سواء كان في حضر أو سفر أو غيرهما. فإن قلت: في حديث ابن عمر: (إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق)، رواه أبو داود وغيره، وهذا صريح في الجمع في وقت إحدى الصلاتين. وقال النووي: وفيه إبطال تأويل الحنفية في قولهم إن المراد بالجمع تأخير الأولى إلى آخر وقتها، وتقديم الثانية إلى أول وقتها، ومثله في حديث أنس: إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، وهو صريح في الجمع بين الصلاتين في وقت الثانية، والرواية الأخرى أوضح دلالة وهي قوله: إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر، ثم يجمع بينهما. وفي الرواية الأخرى: (ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حتى يغيب الشفق). قلت: الجواب عن الأول: أن الشفق نوعان: أحمر وأبيض، كما اختلف العلماء من الصحابة وغيرهم فيه، ويحتمل أنه جمع بينهما بعد غياب الأحمر فتكون المغرب في وقتها على قول من يقول الشفق هو الأبيض، وكذلك العشاء تكون في وقتها على قول من يقول الشفق هو الأحمر، ويطلق عليه أنه جمع بينهما بعد غياب الشفق، والحال أنه صلى كل واحدة منهما في وقتها على اختلاف القولين في تفسير الشفق، وهذا مما فتح لي من الفيض الإلهي.
وفيه: إبطال لقول من ادعى بطلان تأويل الحنفية في الحديث المذكور. والجواب عن الثاني: أن معنى قوله: أخر الظهر إلى وقت العصر أخره إلى وقته الذي يتصل به وقت العصر فصلى الظهر في آخر وقته، ثم صلى العصر متصلا به في أول وقت العصر، فيطلق عليه أنه جمع بينهما، لكنه فعلا لا وقتا. والجواب عن الثالث: أن أول وقت العصر مختلف فيه كما عرف، وهو إما بصيرورة ظل كل شيء مثله أو مثليه، فيحتمل أنه أخر الظهر إلى أن صار ظل كل شيء مثله ثم صلاها وصلى عقيبها العصر، فيكون قد صلى الظهر في وقتها على قول من يرى أن آخر وقت الظهر بصيرورة ظل كل شيء مثله، ويكون قد صلى العصر في وقتها على قول من يرى أن أول