عمدة القاري - العيني - ج ٥ - الصفحة ١٩٧
عز وجل، على أكمل حال. وهذا الأثر وصله عبد الله بن المبارك في (كتاب الزهد). وأخرجه محمد بن نصر المروزي في (كتاب تعظيم قدر الصلاة) من طريق ابن المبارك.
671 حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن هشام قال حدثني أبي قال سمعت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء (الحديث 671 طرفه في: 5465).
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا.
ورجاله تقدموا غير مرة، ويحيى هو: ابن سعيد القطان، وهشام هو ابن عروة بن الزبير، رضي الله تعالى عنه.
ذكر معناه: قوله: (إذا وضع) وفي رواية مسلم عن ابن نمير وحفص ووكيع بلفظ: (إذا حضر)، وكذا في رواية السراج من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن هشام بن عروة. (إذا حضر)، ولكن الذين رووه بلفظ: (إذا وضع) أكثر، قاله الإسماعيلي، والفرق بين اللفظين أن الحضور أعم من الوضع، فيحمل قوله: (حضر) أي: بين يديه، لتتفق الروايتان لاتحاد المخرج. ويؤيده حديث أنس الآتي بعده بلفظ: (إذا قدم العشاء)، ولمسلم: (إذا قرب)، وعلى هذا فلا يناط الحكم بما إذا حضر العشاء، لكنه لم يقرب للأكل كما لو لم يفرغ، ونحوه. قوله: (وإقيمت الصلاة)، قيل: الألف واللام فيهما للعهد، وهي: المغرب. لقوله: (فابدأوا بالعشاء)، ويؤيد هذا ما جاء في الرواية الأخرى: (فابدأوا به قبل أن تصلوا المغرب). والحديث يفسر بعضه بعضا. وقيل: الألف واللام فيه للاستغراق نظرا إلى العلة وهي التشويش المفضي إلى ترك الخشوع، وذكر المغرب لا يقتضي الحصر فيها، لأن الجائع غير الصائم قد يكون أشوق إلى الأكل من الصائم. قوله: ((فابدأوا) اختلفوا في هذا الأمر، فالجمهور على أنه للندب. وقيل: للوجوب، وبه قالت الظاهرية، وقالوا: لا يجوز لأحد حضر طعامه بين يديه وسمع الإقامة أن يبدأ بالصلاة قبل العشاء، فإن فعل فصلاته باطلة، والجمهور على الصحة وعلى عدم الإقامة.
ذكر ما يستفاد منه: قال النووي: في هذه الأحاديث التي وردت في هذا الباب كراهة للصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله، لما فيه من اشتغال القلب وذهاب كمال الخشوع، وهذه الكراهة إذا صلى كذلك، وفي الوقت سعة فإن ضاق بحيث لو أكل خرج الوقت لا يجوز تأخير الصلاة. ولأصحابنا وجه: أنه يأكل وإن خرج الوقت، لأن المقصود من الصلاة الخشوع فلا يفوته. وفيه: دليل على امتداد وق المغرب، وعلى أنه يأكل حاجته من الأكل بكماله. وقال في (شرح السنة): الابتداء بالطعام إنما هو فيما إذا كانت نفسه شديدة التوقان إلى الأكل، وكان في الوقت سعة، وإلا فيبدأ بالصلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتز من كتف شاة، فدعي إلى الصلاة فألقاها وقام يصلي. وقال أحمد بن حنبل: يؤول هذا الحديث أعني حديث الحز من كتف شاة بأن من شرع في الأكل ثم أقيمت الصلاة أنه يقوم إلى الصلاة ولا يتمادى في الأكل، لأنه قد أخذ منه ما يمنعه من شغل البال، وإنما الذي أمر بالأكل قبل الصلاة من لم يكن بدأ به لئلا يشتغل باله به. وقال ابن بطال: ويرد هذا التأويل حديث ابن عمرو: لا يعجل حتى يقضي حاجته. انتهى. قيل لا رد عليه، لأنه يقول: أنه قد قضى حاجته، كما في الحديث، إذ ليس من شرطه أنه يستوفي أكل الكتف لا سيما قلة أكله، صلى الله عليه وسلم، وأنه يكتفي بحزة واحدة، ولكن لقائل أن يقول: ليست الصلاة التي دعي إليها في حديث عمرو بن أمية، وهو حديث الحز من كتف الشاة، أنها المغرب، وإذا ثبت ذلك زال ما يؤول به. وفي (التوضيح): واختلف العلماء في تأويل هذه الأحاديث، فذكر ابن المنذر أنه قال بظاهرها عمر بن الخطاب وابنه عبد الله، وهو قول الثوري وأحمد وإسحاق، وأصله: شغل القلب وذهاب كمال الخشوع. وقال الشافعي: يبدأ بالعشاء إذا كانت نفسه شديدة التوقان إليه، فإن لم يكن كذلك ترك العشاء، وإتيان الصلاة أحب إلي. وذكر ابن حبيب مثل معناه، وقال ابن المنذر، عن مالك: يبدأ بالصلاة إلا أن يكون طعاما خفيفا. وفي الدارقطني، قال حميد: كنا عند أنس، فأذن بالمغرب، فقال أنس: ابدأوا بالعشاء، وكان عشاؤه خفيفا. وقال بعض أصحاب الشافعي: لا يصلي بحال، بل يأكل وإن خرج الوقت، والصواب خلافه، وقال ابن الجوزي: وقد ظن قوم أن هذا من باب تقديم حظ العبد على حق الحق، عز وجل، وليس كذلك، وإنما هو صيانة لحق الحق ليدخل العبادة بقلوب غير مشغولة. فإن قلت: روى أبو داود من حديث جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تؤخر الصلاة لطعام ولا لغيره). قلت: هذا حديث ضعيف، فبالضعيف لا يعترض على الصحيح، ولئن سلمنا صحته فله معنى غير معنى الآخر، بمعنى إذا وجبت
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»