عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ٢٦٥
عمران بن أبي أنس، قال النسائي: أخبرنا عيسى بن حماد أخبرنا الليث عن زيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن أبي سلمة عن أبي هريرة: (أن رسول ا، صلى يوما فسلم في ركعتين ثم انصرف، فأدركه ذو اليدين فقال: يا رسول ا انقصت الصلاة أم نسيت؟ فقال: لم تنقص الصلاة ولم أنس قال: بلى، والذي بعثك بالحق قال رسول ا، أصدق ذو اليدين؟ قالوا: نعم فصلى بالناس ركعتين): وهذا يضا سند صحيح على شرط مسلم. وأخرج نحوه الطحاوي: عن ربيع المؤذن عن شعيب بن الليث عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب إلى آخره نحوه، فثبت أن الزهري لم ينفرد بذلك، وأن المخاطب للنبي ذو الشمالين، وأن من قال ذلك لم يهم، ولا يلزم من عدم تخريج ذلك في الصحيح عدم صحته، فثبت أن ذا اليدين وذا الشمالين واحد، وهذا أولى من جعله رجلين لأنه خلاف الأصل في هذا الموضع فإن قلت: أخرج البيهقي حديثا واستدل به على بقاء ذي اليدين بعد النبي، فقال: الذي قتل ببدر هو ذو الشمالين بن عبد عمرو بن فضلة، حليف بني زهرة من خزاعة: وأما ذو اليدين الذي أخبر النبي، بسهوه فإنه بقي بعد النبي. كذا ذكره شيخنا أبو عبد ا الحافظ، ثم خرج عنه بسنده إلى معدي بن سليمان، قال: حدثني شعيب بن مطير عن أبيه ومطير حاضر فصدقه، قال شعيب: يا أبتاه أخبرتني أن ذا اليدين لقيك بذي خشب فأخبرك أن رسول ا: الحديث؛ ثم قال البيهقي: وقال بعض الرواة: في حديث أبي هريرة، فقال ذو الشمالين: يا رسول ا أقصرت الصلاة؟ وكان شيخنا أبو عبد ا يقول: كل من قال ذلك فقد أخطأ، فإن ذا الشمالين تقدم موته ولم يعقب وليس له راو قلت: سنده ضعيف لأن فيه معدي بن سليمان، فقال أبو زرعة: واهي الحديث، وقال النسائي: ضعيف الحديث. وقال أبو حاتم: يحدث عن ابن عجلان مناكير. وقال ابن حبان: يروي المقلوبات عن الثقات، والملزوقات عن الأثبات لا يجوز الإحتجاج به إذا انفرد. وفي سنده أيضا شهيب لم يعرف حاله وولده مطير، قال فيه ابن الجارود: روى عنه ابنه شعيب لم يكتب حديثه، وفي (الضعفاء) للذهبي: لم يصح حديثه، وفي (الكاشف): مطير بن سليم عن ذي الزوائد وعنه أبناء شعيب وسليم لم يصح حديثه.
ولضعف هذا السند قال البيهقي في (كتاب المعرفة): ذو اليدين بقي بعد النبي فيما يقال، ولقد أنصف وأحسن في هذه العبارة، ثم إن قول شيخه أبي عبد ا: كل من قال ذلك فقد أخطأ، غير صحيح، روى مالك في (موطئه) عن ابن شهاب عن ابن أبي بكر بن سليمان عن أبي خثيمة: (بلغني أن رسول الله ركعه ركعتين في إحدى صلاتي النهار، الظهر أو العصر، فسلم من اثنتين، فقال له ذو الشمالين، رجل من بني زهرة بن كلاب: أقصرت الصلاة؟)... الحديث، وفي آخره: مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن مثل ذلك، فقد صرح في هذه الرواية أنه ذو الشمالين وأنه من بني زهرة فإن قلت: هو مرسل. قلت: ذكر أبو عمر في (التمهيد): أنه متصل من وجوه صحاح، والدليل عليه ما ذكرنا مما رواه النسائي آنفا، ثم قول الحاكم عن ذي الشمالين: لم يعقب يفهم من ظاهرة أن ذا اليدين أعقب، ولا أصل لذلك فيما قد علمناه، وا تعالى أعلم. فإن قلت: إن ذا اليدين وذا الشمالين إذا كانا لقبا على شخص واحد على ما زعمتم فحينئذ يدل على أن أبا هريرة لم يحضر تلك الصلاة، وذلك لأن ذا اليدين الذي هو ذو الشمالين قتل ببدر، وأبو هريرة أسلم عام خيبر وهو متأخر بزمان كثير، ومع هذا فأبو هريرة يقول: (صلى بنا رسول الله إحدى صلاتي العشي، إما الظهر أو العصر)... الحديث، وفيه: (فقام ذو اليدين فقال يا رسول ا)... أخرجه مسلم وغيره. وفي رواية: (صلى بنا رسول ا، عليه الصلاة والسلام، فسلم في ركعتين فقام ذو اليدين)... الحديث قلت: أجاب الطحاوي بأن معناد: صلى بالمسلمين، وهذا جائز في اللغة، كما روي عن النزل بن سبرة قال: (قال لنا رسول ا: أنا وإياكم كنا ندعى بني عبد مناف)... الحديث والنزال لم ير رسول ا، وإنما أراد بذلك: قال لقومنا، وروي عن طاووس، قال: (قدم علينا معاذ ابن جبل فلم يأخذ من الخضراوات شيئا، وإنما أراد: قدم بلدنا، لأن معاذا قدم اليمن في عهد رسول ا، قبل أن يولد طاوس)، ومثله ما ذكره البيهقي في باب: البيان أن النهي مخصوص ببعض الأمكنة عن مجاهد، قال: جاءنا أبو ذر، رضي ا تعالى عنه؟ إلى آخره. قال البيهقي: مجاهد لا يثبت له سماع من أبي ذر. وقوله: (جاءنا)، أي: بلدنا. فأفهم.
قوله: (لم أنس ولم تقصر)، أي: الصلاة، وفي رواية مسلم: (كل ذلك لم يكن)، وفي رواية أبي داود: (كل ذلك لم أفعل)، قال
(٢٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 ... » »»