عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ٢٦٤
ويروى: (فهابا)، بدون الضمير المنصوب، وهو من الهيبة، وهو: الخوف والاجلال، وقد هابه يهابه، والأمر منه: هب، بفتح الهاء. قوله: (أن يكلماه) كلمة أن، مصدرية، والتقدير: من التكليم. قوله: (وفي القوم رجل) جملة اسمية وقعت حالا. قوله: (ذو اليدين) فيه روايات: ففي رواية الطحاوي: (فقام رجل طويل اليدين كان رسول الله سماه ذا اليدين). وفي رواية: (فقام ذو اليدين)، وفي رواية: (فقام رجل من بني سليم)، وفي رواية: (رجل يقال له الخرباق بن عمرو، وكان في يديه طول). وفي رواية: (وكان رجلا بسيط اليدين)، وقع ذلك في رواية الطحاوي في حديث عمران بن حصين: (أن رسول الله صلى بهم الظهر ثلاث ركعات ثم سلم وانصرف، فقال له الخرباق: يا رسول ا إنك صليت ثلاثا؟ فجاء فصلى ركعة ثم سجد سجدتين للسهو ثم سلم). وأخرجه أحمد أيضا في (مسنده) والطبراني في (الكبير).
وخرباق، بكسر الخاء المعجمة: ابن عبد عمرو السلمي، وهو الذي يقال له: ذو اليدين جميعا. وقال ابن حبان في (الثقات): ذو اليدين، ويقال له: ذو الشمالين أيضا: ابن عبد عمرو بن فضلة الخزاعي. وقال أبو عبد ا العدني في (مسنده): قال أبو محمد الخزاعي: ذو اليدين أحد أجدادنا، وهو ذو الشمالين بن عمرو بن ثور بن ملكان بن أفضى بن حارثة بن عمرو بن عامر، وقال ابن أبي شيبة في (مصنفه): حدثنا ابن فضيل عن حصين عن عكرمة قال: (صلى النبي بالناس ثلاث ركعات ثم انصرف، فقال له بعض القوم: حدث في الصلاة شيء؟ وما ذلك؟ قالوا: لم نصل إلا ثلاث ركعات. فقال: أكذاك يا ذا اليدين؟ وكان يسمى ذا الشمالين، فقال: نعم. فصلى ركعة وسجد سجدتين) وقال ابن الأثير في (معرفة الصحابة): ذو اليدين اسمه الخرباق من بني سليم، كان نزل بذي خشب من ناحية المدينة، وليس هو ذا الشمالين خزاعي حليف لبني زهرة، قتل يوم بدر، وأن قصة ذي الشمالين كانت قبل بدر، ثم أحكمت الأمور بعد ذلك.
وقال القاضي عياض في (شرح مسلم): وأما حديث ذي اليدين فقد ذكر مسلم في حديث عمران بن حصين أن اسمه الخرباق، وكان في يديه طول. وفي الرواية الأخرى: بسيط اليدين، وفي حديث أبي هريرة: رجل من بني سليم ووقع للعذري: سلم وهو خطأ، وقد جاء في حديث عبيد بن عمير مفسرا، فقال فيه: ذو اليدين أخو بني سليم، وفي رواية الزهري: ذو الشمالين رجل من بني زهرة، وبسبب هذه الكلمة ذهب الحنفيون إلى أن حديث ذي اليدين منسوخ بحديث ابن مسعود، قالوا: لأن ذا الشمالين قتل يوم بدر فيما ذكره أهل السير، وهو من بني سليم، فهو ذو اليدين المذكور في الحديث، وهذا لا يصح لهم، وإن قتل ذو الشمالين يوم بدر فليس هو بالخرباق، وهو رجل آخر حليف لبني زهرة اسمه: عمير بن عبد عمرو من خزاعة، بدليل رواية أبي هريرة حديث ذي اليدين ومشاهدته خبره، ولقوله: صلى بنا رسول ا، وذكر الحديث، وإسلام أبي هريرة بخير بعد يوم بدر بسنتين، فهو غير ذي الشمالين المستشهد ببدر، وقد عدوا قول الزهري فيه هذا من وهمه، وقد عدهما بعضهم حديثين في نازلتين وهو الصحيح لاختلاف صفتهما، لأن في حديث الخرباق ذا الشمالين أنه: سلم من ثلاث، وفي حديث ذي اليدين: من اثنتين، وفي حديث الخرباق: إنها العصر، وفي حديث ذي اليدين: الظهر لغير شك عند نعضهم، وقد ذكر مسلم ذلك كله. اناتهى. وقال أبو عمر: ذو اليدين غير ذي الشمالين المقتول ببدر بدليل ما في حديث أبي هريرة. وأما قول الزهري في هذا الحديث: أنه ذو الشمالين، فلم يتابع عليه.
قلت: الجواب على ذلك كله مع تحرير الكلام في هذا الموضع أنه: وقع في كتاب النسائي: ذا اليدين وذا الشمالين واحد، كلاهما لقب على الخرباق كما ذكرنا حيث قال: أخبرنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة عن أبي هريرة قال: (صلى النبي الظهر أو العصر فسلم من ركعتين فانصرف، فقال له ذو اليدين وذو الشمالين ابن عمرو: أنقضت الصلاة أم نسيت؟ فقال النبي: ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: صدق يا رسول ا، فأتم لهم الركعتين اللتين نقصتا)، وهذا سند صحيح متصل صرح فيه بأن ذا الشمالين هو ذو اليدين. وقال النسائي أيضا: أن هارون بن موسى الفروي حدثني أبو ضمرة عن يونس عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة عن أبي هريرة قال: (نسي رسول الله فسلم في سجدتين، فقال ذو الشمالين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول ا؟ قال رسول ا: أصدق ذو اليدين؟ قالوا: نعم، فقام رسول الله فأتم الصلاة)، وهذا أيضا سند صحيح صريح فيه أيضا أن: ذا الشمالين، وهو: ذو اليدين. وقد تابع الزهري على ذلك
(٢٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 ... » »»