عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ٢٦٧
عمرو، وقيل: النضر بن عمرو، وفي رواية أبي داود: رواية الأكابر عن الأصاغر.
ذكر ما يستنبط منه من الأحكام وهو على وجوه: الأول: فيه دليلا على أن سجود السهو سجدتان.
الثاني: فيه حجة لأصحابنا الحنفية أن سجدتي السهو بعد السلام، وهو حجة على الشافعي ومن تبعه في أنها قبل السلام.
الثالث: أن الذي عليه السهو إذا ذهب من مقامه ثم عاد وقضى ما عليه هل يصح؟ فظاهر الحديث يدل على أنه يصح، لأنه قال في رواية عمران بن حصين: (فجاء فصلى ركعة)، وفي رواية غيره من الجماعة: (فتقدم وصلى)، وهو رواية اليخاري ههنا، وفي رواية: (فرجع رسول الله إلى مقامه)، ولكن اختلف الفقهاء في هذه المسألة، فعند الشافعي فيها وجهان: أصحهما: أنه يصح لأنه ثبت في صحيح مسلم: (أنه، عليه السلام، مشى إلى الجذع وخرج السرعان). وفي رواية: (دخل منزله). وفي رواية: (دخل الحجرة ثم خرج ورجع الناس وبنى على صلاته). والوجه الثاني: وهو المشهور عندهم: أن الصلاة تبطل، بذلك قال النووي، وهذا مشكل، وتأويل الحديث صعب على من أبطلها، ونقل عن مالك أنه ما لم ينتقض وضوؤه يجوز له ذلك وإن طال الزمان، وكذا روي عن ربيعة، مستدلين بحديث عمران. ومذهب أبي حنيفة في هذه المسألة: إذا سلم ساهيا على الركعتين وهو في مكانه لم يصرف وجهه عن القبلة ولم يتكلم عاد إلى القضاء لما عليه، ولو اقتدى به رجل يصح اقتداؤه به، أما إذا صرف وجهه عن القبلة فإن كان في المسجد ولم يتكلم فكذلك، لأن المسجد كله في حكم مكان واحد، لأنه مكان الصلاة، وإن كان خرج في المسجد ثم تذكر لا يعود، وتفسد صلاته. وأما إذا كان في الصحراء فإن تذكر قبل أن يجاوز الصفوف من خلفه أو من قبل اليمين أو اليسار عاد إلى قضاء ما عليه، وإلا فلا، وإن مشى أمامه لم يذكره في الكتاب.
وقيل: إن مشى قدر الصفوف التي خلفه تفسد وإلا فلا، وهو مروي عن أبي يوسف اعتبارا لأحد الجانبين. وقيل: إذا جاوز موضع سجوده لا يعود، وهو الأصح، وهذا إذا لم يكن بين يديه سترة، فإن كان يعود ما لم يجاوزها، لأن داخل السترة في حكم المسجد. وا اعلم.
وأجابوا عن الحديث: إنه منسوخ، وذلك أن عمر بن الخطاب عمل بعد رسول الله بخلاف ما كان عمله يوم ذي اليدين، والحال أنه كان فيمن حضر يوم ذي اليدين، فلولا ثبت عنده انتساخ ذلك لما عمل بخلاف ما عمل به النبي، وأيضا فإن عمر فعل ذلك بحضرة الصحابة ولم ينكر عليه أحد، فصار ذلك منهم إجماعا. وروى الطحاوي ذلك عن ابن مرزوق، قال: حدثنا أبو عاصم عن عثمان بن الأسود. قال: (سمعت عطاء يقول: صلى عمر بن الخطاب بأصحابه فسلم في ركعتين ثم انصرف، فقيل له في ذلك، فقال: إني جهزت عيرا من العراق بأحمالها وأقتابها حتى وردت المدينة، قال: فصلى بهم أربع ركعات).
الرابع: استدل به قوم على أن الكلام في الصلاة من المأمومين لإمامهم إذا كان على وجه إصلاح الصلاة لا يقطع الصلاة، وأن الكلام من الإمام والمأمومين فيها على السهو لا يقطع الصلاة، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال أبو عمر بن عبد البر: وذهب الشافعي وأصحابه إلى الكلام والسلام ساهيا في الصلاة لا يبطلها، كقول مالك وأصحابه سواء، وإنما الخلاف بينهم أن مالكا يقول: لا يفسد الصلاة تعمد الكلام فيما إذا كان في شأنها وإصلاحها، وهو قول ربيعة وابن القاسم، إلا ما روي عنه في المنفرد، وهو قول أحمد بن حنبل ذكره الأثرم عنه أنه قال: ما تكلم به الإنسان في صلاته لإصلاحها لم تفسد عليه صلاته، فإن تكلم لغير ذلك فسدت عليه، وذكر الخرقي عنه أن مذهبه فيمن تكلم عامدا أو ساهيا بطلت صلاته إلا الإمام خاصة، فإنه إذا تكلم لمصلحة صلاته لم تبطل صلاته. وقال الشافعي وأصحابه ومن تابعهم من أصحاب مالك وغيرهم: إن من تعمد الكلام وهو يعلم أنه لم يتم الصلاة، وأنه فيها أفسد صلاته، فإن تكلم ناسيا أو تكلم وهو يظن أنه ليس في الصلاة، لا يبطلها. قال النووي: وبهذا قال جمهور العلماء من السلف والخلف، وهو قول ابن عباس، وعبد ا بن الزبير وأخيه عروة وعطاء والحسن والشعبي وقتادة والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وجميع المحدثين. وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري، وفي أصح الروايتين عنه: تبطل صلاته بالكلام ناسيا أو جاهلا، انتهى. وأجمع المسلمون طرا أن الكلام عامدا في الصلاة إذا كان المصلي يعلم أنه في الصلاة ولم يكن ذلك لإصلاح صلاته أنه يفسد الصلاة، إلا ما روي عن الأوزاعي أنه: من تكلم لإحياء نفس أو مثل ذلك من الأمور الجسام لم تفسد بذلك صلاته، وهو قول ضعيف في النظر. وقال القاضي عياض المشهور عن مالك وأصحابه الأخذ بحديث
(٢٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 ... » »»