سيده: الجن نوع من العالم، والجمع: جنان، وهم: الجنة، والجني منسوب إلى الجن، والجنة طائف من الجن، والمجنة الجن، وأرض مجنة: كثيرة الجن، والجان: أبو الجن، والجان: الجن، وهو اسم جمع.
واعلم أن الموجود الممكن الذي ليس بمتحيز ولا صفة للمتحيز هم الأرواح، وهي: إما سفلية وإما علوية. فالسفلية: إما خيرة وهم: صالحو الجن، أو شريرة وهم مردة الشياطين. والعلوية: إما متعلقة بالأجسام: وهي الأرواح الفلكية، أو غير متعلقة بالأجسام: وهي الأرواح المقدسة. وقال ابن دريد: الجن خلاف الإنس، يقال: جنه الليل وأجنه وجن عليه وغطاه في معنى واحد: إذا ستره، وكل شيء استتر فقد جن عنك، وبه سميت الجن، وقال ابن عقيل: إنما سمي الجن جنا لاستجنانهم واستتارهم عن العيون، ومنه سمي الجنين جنينا.
قوله: (تفلت)، بفتح الفاء وتشديد اللام: أي تعرض لي فلتة أي بغتة. وفي (المحكم): أفلت الشيء إذا أخذه بغتة في سرعة، و: كان ذلك فلتة أي: فجأة، والجمع: فلتات، لا يجاوز بها جمع السلامية، والفلتة الأمر يقع من غير إحكام. وفي (المنتهى): تفلت علينا وإلينا. وفي (الصحاح): أفلت الشيء يفلت وانفلت بمعنى، وأفلته غيره. قوله: (البارحة)، هي أقرب ليلة مضت. وفي (المنتهى): كل زائل بارح، ومنه سميت البارحة أدنى ليلة زالت عنك، تقول: لقيته البارحة ، والبارحة الأولى، ومنذ ثلاث ليال. وفي (المحكم): البارحة هي الليلة الخالية ولا تحقر، وقال قاسم في (كتاب الدلائل): يقال: بارحة الأولى يضاف الاسم إلى الصفة، كما يقال: مسجد الجامع، ومنه الحديث: (كانت لي شاة فعدا عليها الذئب بارحة الأولى). وانتصابها على الظرفية. قوله: (أو كلمة نحوها) أي: أو قال كلمة، نحو: تفلت علي البارحة، مثل قوله في رواية أخرى للبخاري: (عرض لي فشد علي)، ووقع في رواية عبد الرزاق: (عرض لي في صورة هر)، وفي رواية مسلم من حديث أبي الدرداء: (جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي). قوله: (إلى سارية) وهي الأسطوانة. قوله: (حتى تصبحوا)، أي: حتى تدخلوا في الصباح، وهي تامة لا تحتاج إلى خبر. قوله: (كلكم)، بالرفع تأكيد للضمير المرفوع. قوله: (رب اغفر لي وهب لي) كذا في رواية أبي ذر، وفي بقية الروايات هنا: (رب هب لي)، قال الكرماني: ولعله ذكره على قصد الاقتباس من القرآن، لا على قصد أنه قرآن. انتهى. ووقع في رواية مسلم، كما في رواية أبي ذر: والأخوة بين سليمان وبين سيدنا محمد بحسب أصول الدين أو بحسب المماثلة في الدين. قوله: (قال روح فرده خاسئا) أي: قال روح بن عبادة المذكور في سند الحديث، فرده النبي، أي: العفريت، حال كونه خاسئا أي: مطرودا. وفي (المحكم): الخاسىء من الكلاب والخنازير والشياطين: البعيد الذي لا يترك أن يدنو من الناس، وخسأ الكلب يخسأ خسأ وخسوءا فخسأ وانخسأ، ويقال: اخسأ إليك واخسأ عني. وفي (الصحاح): خسأت الكلب طردته، وخسأ الكلب نفسه، يتعدى ولا يتعدى، ويكون الخاسىء بمعنى: الصاغر الذليل، ثم إن قوله هذا بحسب الظاهر يدل على أن هذه الزيادة في رواية روح دون رفيقه محمد بن جعفر، ولكن البخاري روى في أحاديث الأنبياء عن محمد بن بشار عن محمد بن جعفر وحده، فزاد في آخره أيضا: (فرددته خاسئا)، وفي رواية مسلم: (فرده ا خاسئا)، فعل هذا دل على أن قوله: قال روح، داخل تحت الإسناد، وبهذا يحصل الجواب عن قول الكرماني. فإن قلت: هذا تعليق للبخاري منه، أو هو داخل تحت الإسناد السابق.
ذكر ما يستنبط منه من الفوائد الأولى: قال الخطابي: فيه دليل على أن رؤية الجن البشر غير مستحيلة، والجن أجسام لطيفة والجسم، وإن لطف فدركه غير ممتنع أصلا، وأما قوله تعالى: * (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) * (الأعراف: 72) فإن ذلك حكم الأعم الأغلب من أحوال بني آدم، امتحنهم ا بذلك وابتلاهم ليفزعوا إليه ويستعيذوا به من شرهم، ويطلبون الأمان من غائلتهم، ولا ينكر أن يكون حكم الخاص والنادر من المصطفين من عباده بخلاف ذلك، وقال الكرماني: لا حاجة إلى هذا التأويل، إذ ليس في الآية ما ينفي رؤيتنا إياهم مطلقا، إذ المستفاد منها أن رؤيته إيانا مقيدة من هذه الحيثية، فلا نراهم في زمان رؤيتهم لنا قط، ويجوز رؤيتنا لهم في غير ذلك الوقت.
الثانية: فيه دليل على أن الجن ليسوا باقين على عنصرهم الناري، ولأنه، قال: (إن عدو ا إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي). وقال: (رأيت ليلة أسري بي عفريتا من الجن يطلبني بشعلة من نار كلما التفت إليه رأيته). ولو كانوا باقين على عنصرهم الناري، وأنهم نار محرقة، لما احتاجوا إلى أن يأتي الشيطان أو العفريت منهم بشعلة من نار، ولكانت يد الشيطان أو العفريت أو شيء من أعضائه إذا مس ابن آدم أحرقه، كما تحرق الآدمي النار الحقيقية بمجرد اللمس، فدل على أن تلك النارية انغمرت في سائر العناصر