أعطيتها) مقول القول، التاء: في شئت وأعطيت، مكسورة لأنها خطاب لعائشة. قوله: (ما بقي) أي: الذي بقي من مال الكتابة في ذمة بريرة، ومحل هذه الجملة النصب لأنها وقعت مفعولا ثانيا لقوله؛ أعطيتها، ومفعوله الأول الضمير المنصوب في: أعطيتها. قوله: (وقال سفيان)، هو ابن عيينة أحد الرواة المذكورين في الحديث، وأشار به إلى أن سفيان حدث به. على وجهين: فمرة قال: إن شئت أعطيتها ما بقي، ومرة قال: إن شئت أعتقتها، ويكون الولاء لنا، يعني في الوجهين، و: التاء، في أعتقتها مكسورة لأنها خطاب لعائشة. وقوله: (قال سفيان) داخل في الموصول غير معلق. فافهم فإن قلت: كم كان مال الكتابة على بريرة؟ قلت: ذكر ف باب الكتابة من حديث يونس عن الزهري عن عروة: (عن عائشة قالت: إن بريرة دخلت عليها تستعينها في كتابتها وعليها خمس أواق نجمت عليها في خمس سنين...) الحديث فإن قلت: ذكر في باب سؤال الناس: (كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني، فقال: خذيها فأعتقيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق)، فبين الروايتين تعارض. قلت: هذا الحديث أصح لاتصاله ولانقطاع ذاك، ولأن راوي هذا عن أمه وهو أعرف بحديث أمه وخالته، وقيل: يحتمل أن تكون هذه الخمسة الأواق التي قد استحقت عليها بالنجوم من جملة التسعة، أو أنها أعطت نجوما وفضل عليها خمسة، قلت: هذا يرده ما رواه البخاري في الشروط: في البيع، ولم تكن قضت من كتابتها شيئا. والأواق جمع: أوقية، بضم الهمزة وتشديد الياء، والجمع يشدد ويخفف مثل: أثفية وأثافي وأثاف، وربما يجيء في الحديث: وقية، وليست بالعالية وهمزتها زائدة، وكانت الأوقية قديما عبارة عن أربعين درهما، ثم أنها تختلف باختلاف اصطلاح البلاد. قوله: (ذكرته)، قال الكرماني: ذكرته، بلفظ التكلم، والمتكلم به عائشة، والراوي نقل لفظها بعينه، وبالغيبة: كأن عائشة جردت من نفسها شخصا فحكت عنها، فالأول: حكاية الراوي عن لفظ عائشة، والثاني: حكاية عائشة عن نفسها. انتهى. وقال بعضهم: (ذكرته ذلك)، كذا وقع هنا بتشديد الكاف، فقيل: الصواب ما وقع في رواية مالك وغيره بلفظ: ذكرت، لأن التذكير يستعدي سبق علم بذلك، ولا يتجه تخطئة هذه الرواية لاحتمال السبق على وجه الإجمال قلت: لم يبين أحد منهما راوي التشديد ولا راوي التخفيف، واللفظ يحتمل أربعة أوجه. الأول: ذكرته، بالتشديد وبالضمير المنصوب. والثاني: ذكرت، بالتشديد بدون الضمير المنصوب. والثالث: ذكرت، على صيغة الماضي للمؤنثة الواحدة بالتخفيف بدون الضمير. والرابع: ذكرته بالتخفيف، والضمير لأن ذكر بالتخفيف يعدى يقال: ذكرت الشيء بعد النسيان، وذكرته بلساني وبقلبي وتذكرته وأذكرته غيري وذكرته، بمعنى. قوله: (فقال ابتاعيها) أي: قال النبي لعائشة: اشتريها، أي: بريرة. قوله: (وقال سفيان مرة فصعد رسول ا) أراد أنه روي بوجهين: مرة قال: ثم قام رسول الله على المنبر، ومرة قال: فصعد رسول الله على المنبر، وذكر في باب الشراء والبيع مع النساء، قال لي النبي: (اشتري واعتقي فإنما الولاء لمن أعتق، ثم قام من العشي فأثنى على ا بما هو أهله...) الحديث.
قوله: (ما بال أقوام؟) أي: ما حالهم؟ وفي باب الشراء والبيع مع النساء: (ما بال أناس يشترطون شروطا...؟) الحديث. قوله: (ليست في كتاب ا تعالى)، أي: الشروط، ويروى: ليس، بالتذكير، ووجهه إما باعتبار جنس الشرط، أو باعتبار المذكور. وقال الكرماني: إما باعتبار الاشتراط. قلت: فيه نظر لا يخفى، والمراد: من كتاب ا، قال الشيخ تقي الدين: يحتمل أن يريد بكتاب ا، حكم ا، ويراد بذلك نفي كونها في كتاب ا بواسطة أو بغير واسطة، فإن الشريعة كلها في كتاب ا، أما بغير واسطة كمالنصوصات في القرآن من الأحكام، وأما بواسطة قوله تعالى: * (وما آتاكم الرسول فخذوه) * (الحشر: 7) * (وأطيعوا ا وأطيعوا الرسول) * (المائدة: 29، والنور: 452، والتغابن: 21) قال الخطابي: ليس المراد أن ما لم ينص عليه في كتاب ا فهو باطل، فإن لفظ: (الولاء لمن أعتق)، من قوله، لكن الأمر بطاعته في كتاب ا، فجاز إضافة ذلك إلى الكتاب انتهى. ويجوز أن يكون المراد بكتاب ا: حكم ا سواء ذكر في القرآن أو السنة، وقيل: المراد من الكتاب: المكتوب، يعني المكتوب في اللوح المحفوظ. قوله: (فليس له) أي: ذلك الشرط، أي: لا يستحقه. وفي رواية النسائي: (من شرط شرطا ليس في كتاب ا لم يجز له).
قوله: (وإن اشترط مائة مرة)، ذكر المائة للمبالغة في الكثرة، لا أن هذا العدد بعينه هو المراد. وقال بعضهم؛ لفظ مائة للمبالغة، فلا مفهوم له، قلت: لم يدر هذا القائل أن مفهوم اللفظ في اللغة هو معناه، فعلى قوله يكون هذا اللفظ مهملا وليس كذلك، وإن كان قال ذلك على رأي الأصوليين حيث فرقوا بين