ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في الطلاق عن إسماعيل بن عبد الله، وفي التفسير عن عبد الله بن يوسف، كلاهما عن مالك، وفي الاعتصام عن آدم عن ابن أبي ذئب، وفي الأحكام، وفي المحاربين عن علي بن عبد الله عن سفيان، وفي التفسير عن أبي الربيع الزهراني عن فليح، وعن إسحاق عن الفريابي عن الأوزاعي، وفي الطلاق أيضا عن يحيى عن عبد الرزاق. وأخرجه مسلم في اللعان عن يحيى بن يحيى عن مالك، وعن حرملة عن ابن وهب، وعن محمد بن رافع عن عبد الرزاق. وأخرجه أبو داود في الطلاق عن القعنبي عن مالك مطولا، وعن أبي الربيع الزهراني ببعضه، وعن مسدد ووهب بن بيان وأحمد بن عمرو بن السرح وعمرو بن عثمان، وعن محمود بن خالد، وعن أحمد بن صالح، وعن محمد بن جعفر الوركاني، وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن سلمة عن ابن القاسم عن مالك به، وأخرجه ابن ماجة فيه عن أبي مروان محمد بن عثمان.
ذكر معناه وما يستنبط منه: قوله: (أن رجلا) اختلفوا فيه، فقيل: إنه هلال بن أمية وقيل: عاصم بن عدي، وقيل: عويمر العجلاني. قلت: روى الطحاوي من حديث الزهري: (عن سهل بن سعد الساعدي أن عويمرا جاء إلى عاصم ابن عدي فقال: أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله أتقتلونه؟ سل يا عاصم رسول ا)... الحديث، وفي حديث أنس، رضي ا تعالى عنه، هلال بن أمية، روى الطحاوي عن حديث ابن سيرين: (عن أنس بن مالك أن هلال بن أمية قذف شريك ابن سمحاء بامرأته، فرفع ذلك إلى رسول الله فقال: (ائت بأربعة شهداء، وإلا فحد في ظهرك)... الحديث. وفيه: (فنزلت آية اللعان)، وأخرجه مسلم والنسائي أيضا، وفي حديث ابن عباس: عويمر العجلاني: (أن رسول الله لا عن بين العجلاني وامرأته)... الحديث، وراه الطحاوي وأحمد في (مسنده) والبيهقي في (سننه) ووقع في حديث عبد الله بن مسعود: وكان رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله فلاعن امرأته. وقال المهلب: الصحيح أن القاذف: عويمر، والذي ذكر في حديث ابن عباس من قوله العجلاني هو عويمر، وكذا في قول عبد الله بن مسعود، وكان رجلا، وهلال بن أمية خطأ، وأظنه غلطا من هشام بن حسان، وذلك لأنها قصة واحدة، والدليل على ذلك توقفه فيها حتى نزلت الآية الكريمة، ولو أنهما قضيتان لم يتوقف على الحكم في الثانية بما نزل عليه في الأولى. قلت: كأنه تبع في هذا الكلام محمد بن جرير، فإنه قال في (التهذيب): يستنكر قوله في الحديث: هلال بن أمية، وإنما القاذف عويمر بن الحارث بن زيد بن الجد بن عجلان. وفيما قالاه نظر لأن قضية هلال وقذفه زوجته بشريك ثابتة في صحيح البخاري في موضعين: الشهادات والتفسير وفي صحيح مسلم من حديث أنس. وقال ابن التين: الصحيح أن هلالا لا عن قبل عويمر، وقال الماوردي في الحاوي. الأكثرون على أن قصة هلال أسبق من قصة عويمر، وفي (الشامل) لابن الصباغ قصة هلال، تبين أن الآية الكريمة نزلت فيه أولا.
قوله: (أرأيت رجلا؟) الهمزة فيه للاستفهام، أي: أخبرني بحكمه في أنه هل يجوز قتله أو لا؟ قوله: (فتلاعنا)، فيه حذف كثير وقد بين ذلك في غيره من الأحاديث التي أخرجها البخاري مكررة، كما ذكرنا، والمحذوف بعد قوله: (أيقتله) أم كيف يفعل؟ فأنزل ا في شأنه ما ذكر في القرآن من أمر المتلاعنين، فقال النبي: قد قضى فيك وفي امرأتك، قال: فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد، فلما فرغا قال: كذبت عليها يا رسول ا إن أمسكتها، فطلقها ثلاثا قبل أن يإمره رسول الله حين فرغا من التلاعن، ففارقها عند النبي فقال: (ذاك تفريق بين كلا متلاعنين)... الحديث وسيأتي أحكام اللعان مستقصاة في كتاب اللعان، وإنما ذكر البخاري هذا الحديث مختصرا لأجل جواز القضاة في المسجد، وهو جائز عند عامة العلماء، وقال مالك: جلوس القاضي في المسجد للقضاء من الأمر القديم المعمول به، وقال ابن حبيب: وكان من مضى من القضاء لا يجلسون إلا في رحاب المساجد خارجا. وقال أشهب: لا بأس أن يقضي في بيته أو حيث أحب، واستحب بعضهم الرحاب، وفي (المعونة): الأولى أن يقضي في المسجد، وكان شريح وابن أبي ليلى يقضيان فيه، وروي عن سعيد بن المسيب كراهية ذلك، قال: لو كان لي من الأمر شيء ما تركت اثنين يختصمان في المسجد. وعن الشافعي كراهيته في المسجد إذا أعده لذلك دون ما إذا أنفقت له حكومة فيه، إذ فيه حديث: (جنبوا مساجدكم رفع أصواتكم وخصوماتكم)، ولا يعترض على هذا باللعان لأنها أيمان ويراد بها الترهيب ليرجع المبطل.
قلت: قال أصحابنا جميعا: والمستحب أن يجلس في مجلس الحكم في الجامع، فإن كان مسجدا