عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٩٢
وجوبه على غيره بالطريق الأولى. الثاني: فيه لبعض الضرات أن تهب نوبتها للضرة الأخرى. الثالث: فيه استحباب الوصية. الرابع: فيه جواز الإجلاس في المخضب ونحوه لأجل صب الماء عليه، سواء كان من خشب أو حجر أو نحاس، وقد روي عن ابن عمر كراهة الوضوء في النحاس، وقد ذكرناه وقد روي عنه أنه قال: أنا أتوضأ بالنحاس وما يكره منه شيء إلا رائحته فقط. وقيل: الكراهة فيه لأن الماء يتغير فيه، وروي أن الملائكة تكره ريح النحاس. وقيل: يحتمل أن تكون الكراهة فيه لأنه مستخرج من معادن الأرض شبيه بالذهب والفضة، والصواب: جواز استعماله بما ذكرنا من رواية ابن خزيمة، وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة والحجة البالغة. الخامس: فيه إراقة الماء على المريض بنية التداوي وقصد الشفاء. السادس: فيه دلالة على فضل عائشة، رضي الله تعالى عنها، لتمريض النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها. السابع: فيه إشارة إلى جواز الرقي والتداوي للعليل، ويكره ذلك لمن ليس به علة. الثامن: فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشتد به المرض ليعظم الله أجره بذلك، وفي الحديث الآخر: (إني أوعك كما يوعك رجلان منكم). التاسع: فيه جواز الأخذ بالإشارة. العاشر: فيه أن المريض تسكن نفسه لبعض أهله دون بعض.
الأسئلة والأجوبة: الأول: ما كانت الحكمة في طلب النبي صلى الله عليه وسلم الماء في مرضه؟ أجيب: بأن المريض إذا صب عليه الماء البارد ثابت إليه قوته، لكن في مرض يقتضي ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم علم ذلك فلذلك طلب الماء، ولذلك بعد استعمال الماء قام وخرج إلى الناس. الثاني: ما الحكمة في تعيين العدد بالسبعة في القرب؟ أجيب: بأنه يحتمل أن يكون ذلك من ناحية التبرك، وفي عدد السبع بركة، لأن له دخولا كثيرا في كثير من أمور الشريعة، ولأن الله تعالى خلق كثيرا من مخلوقاته سبعا. قلت: نهاية العدد عشرة، والمائة تتركب من العشرات، والألوف من المئات، والسبعة من وسط العشرة، وخير الأمور أوساطها، وهي وتر، والله تعالى يحب الوتر، بخلاف السادس والثامن، وأما التاسع فليس من الوسط وإن كان وترا. الثالث: ما الحكمة في تعيين القرب؟ أجيب: بأن الماء يكون فيها محفوظا وفي معناها ما يشاكلها مما يحفظ فيه الماء، ولهذا جاء في رواية الطبراني في هذا الحديث من آبار شتى. الرابع: ما الحكمة في شرطه، عليه الصلاة والسلام، في القرب عدم حل أوكيتهن؟ أجيب: بأن أولى الماء أطهره وأصفاه، لأن الأيدي لم تخالطه ولم تدنسه بعد، والقرب إنما توكى وتحل على ذكر الله تعالى، فاشترط أن يكون صب الماء عليه من الأسقية التي لم تحلل ليكون قد جمع بركة الذكر في شدها وحلها معا. الخامس: ما الحكمة في أن عائشة، رضي الله عنها، قالت: (ورجل آخر) ولم تعينه، مع أنه كان هو علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه؟ أجيب: بأنه كان في قلبها منه ما يحصل في قلوب البشر مما يكون سببا في الإعراض عن ذكر اسمه، وجاء في رواية: (بين الفضل ابن عباس)، وفي أخرى: (بين رجلين أحدهما أسامة)، وطريق الجمع أنهم كانوا يتناوبون الأخذ بيده الكريمة، تارة هذا وتارة هذا، وكان العباس أكثرهم أخذا بيده الكريمة، لأنه كان أدومهم لها إكراما له واختصاصا به، وعلي وأسامة والفضل يتناوبون اليد الأخرى، فعلى هذا يجاب بأنها صرحت بالعباس وأبهمت الآخر لكونهم ثلاثة، وهذا الجواب أحسن من الأول. السادس: قال الكرماني: أين ذكر الخشب في هذه الأحاديث التي في هذا الباب؟ ثم أجاب بقوله: لعل القدح كان من الخشب.
46 ((باب الوضوء من التور)) أي: هذا باب في بيان حكم الوضوء من التور، وقد مر تفسير التور مستوفى، ووقع في حديث شريك عن أنس في المعراج فأتى بطشت من ذهب فيه تور من ذهب، فدل هذا أن التور غير الطشت، وذلك يقتضي أن يكون التور إبريقا ونحوه، لأن الطشت لا بد له من ذلك. والمناسبة بين البابين ظاهرة.
199 حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا سليمان قال حدثنى عمرو بن يحي عن أبيه قال كان عمي يكثر من الوضوء قال لعبد الله بن زيد أخبرني كيف رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ فدعا بتور من ماء فكفأ على يديه فغسلهما ثلاث مرار ثم أدخل يده في التور فمضمض واستنثر ثلاث مرات من غرفة واحدة ثم أدخل يده فاغترف بها فغسل وجهه
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»