وبوب عليه الوضوء من آنية الزجاج، وفي مسنده عن ابن عباس أن المقوقس أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم قدحا من زجاج، لكن في إسناده مقال. قوله: (فيه شيء من ماء) أي: قليل من ماء، لأن التنوين للتقليل، ومن، للتبعيض. قوله: (ينبع) يجوز فيه فتح الباء الموحدة وضمها وكسرها. قوله: (فحزرت) من الحزر، بتقديم الزاي على الراء، وهو: الخرص. والتقدير قوله: (من). في محل النصب على المفعولية قوله (ما بين السبعين إلى الثمانين) وتقدم من رواية حميد أنهم كانوا ثمانين وزيادة، والجمع بينهما أن أنسا لم يكن يضبط العدة بل كان يتحقق أنها تنيف على السبعين، ويشك هل بلغت العقد الثامن أو جاوزته، كذا قال بعضهم. وقال الكرماني: ورد أيضا عن جابر ثمة: (كنا خمسة عشر ومائة)، وهذه قضايا متعددة في مواطن مختلفة وأحوال متغايرة، وهذا أوجه من ذاك، ويستفاد من هذا بلاغة معجزته صلى الله عليه وسلم، وهو أبلغ من تفجير الماء من الحجر لموسى، عليه الصلاة والسلام، لأن في طبع الحجارة أن يخرج منها الماء الغدق الكثير، وليس ذلك في طباع أعضاء بني آدم.
47 ((باب الوضوء بالمد)) أي: هذا باب الوضوء بالمد، بضم الميم وتشديد الدال: والمد، اختلفوا فيه. فقيل: المد رطل وثلث بالعراقي، وبه يقول الشافعي وفقهاء الحجاز. وقيل: هو رطلان، وبه يقول أبو حنيفة وفقهاء العراق. وقال بعضهم: وخالف بعض الحنيفة، فقال: المد رطلان. قلت: مذهب أبي حنيفة أن المد رطلان، وهذا القائل لم يبين المخالف من هو، وما خالف أبو حنيفة أصلا لأنه يستدل في ذلك بما رواه جابر، قال: (كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يتوضأ بالمد رطلين ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال). أخرجه ابن عدي، وبما رواه عن أنس، قال: (كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يتوضأ بمد رطلين ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال)، أخرجه الدارقطني.
201 حدثنا أبو نعيم قال حدثنا مسعر قال حدثنى ابن جبر قال سمعت أنسا يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل أو كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد.
مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة.
بيان رجاله وهم أربعة الأول: أبو نعيم، بضم النون: هو الفضل بن دكين، تقدم في باب فضل من استبرأ لدينه في كتاب الإيمان. الثالث: مسعر، بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح العين المهملة: ابن كدام، بكسر الكاف وبالدال المهملة. وقال أبو نعيم: كان مسعر شكاكا في حديثه. وقال شعبة: كنا نسمي مسعر المصحف لصدقه. وقال إبراهيم بن سعد: كان شعبة وسفيان إذا اختلفا في شيء. قال: اذهب بنا إلى الميزان: مسعر. مات سنة خمس وخمسين ومائة. الثالث: ابن جبر، بفتح الجيم وسكون الباء الموحدة، والمراد به: سبط جبر لأنه عبد الله بن عبد الله جبر بن عتيك، تقدم في باب علامة الايمان حب الأنصار، ومن قال بالتصغير فقد صحف، لأن ابن جبير، وهو ابن سعيد لا رواية له عن أنس في هذا الكتاب، وقد روى هذا الحديث الإسماعيلي من طريق أبي نعيم، شيخ البخاري، قال: حدثنا مسعر، قال: حدثني شيخ من الأنصار يقال له: ابن جبر، ويقال له: جابر ابن عتيك. الرابع: أنس بن مالك، رضي الله عنه.
بيان لطائف اسناده منها: أن فيه التحديث بصيغة الجمع والسماع. ومنها: أن فيه كوفيان: أبو نعيم ومسعر، وبصريان: ابن جبر وأنس. ومنها: أن فيه من ينسب إلى جده.
بيان اللغات والمعنى قوله: (أنسا) بالتنوين، لأنه منصرف وقعع مفعولا. قال الكرماني في بعضها: أنس، بدون الألف، وجوز حذف الألف منه في الكتابة للتخفيف. قلت: لا بد من التنوين وإن كانت الألف لا تكتب. قوله: (يغسل) أي: يغسل جسده. قوله: (أو يغتسل) شك من الراوي. وقال الكرماني: الشك من ابن جبر أنه ذكر لفظ النبي، عليه الصلاة والسلام، أو لم يذكر، وفي أنه قال: يغسل أو يغتسل، من باب الافتعال، والفرق بين الغسل والاغتسال مثل الفرق بين الكسب والاكتساب. وقال غيره: والشك فيه من البخاري، أو من أبي نعيم لما حدثه به، فقد رواه الإسماعيلي م طريق أبي نعيم ولم يشك، فقال: يغتسل. قلت: الظاهر أن هذا من الناسخ لأن الإسماعيلي لم يروه بالشك، فنسبته إلى البخاري، أو إلى شيخه أو إلى ابن جبر ترجيح بلا مرجح، فلم لا ينسب إلى مسعر. قوله: (بالصاع) قال الجوهري: الصاع هو الذي يكال به، وهو: أربعة أمداد