عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٨٨
وقال ابن الأثير: القدح الذي يؤكل فيه، وأكثر ما يكون من الخشب مع ضيف فيه. قوله: (والخشب)، بفتح الخاء المعجمة: جمع خشبة، وكذلك: الخشب، بضمتين وبسكون الشين أيضا، ومراده: الإناء الخشب، وكذلك الإناء الحجارة، وذلك لأن الأواني تكون من الخشب والحجر وسائر جواهر الأرض كالحديد والصفر والنحاس والذهب والفضة. فقوله: (والخشب) يتناول سائر الأخشاب. وقوله: (والحجارة) يتناول سائر الأحجار من التي لها قيمة، والتي لا قيمة لها، والحجارة حمع حجر وهو جمع نادر: كالجمالة جمع جمل، وكذلك: حجار، بدون الهاء، وهما جمع كثرة، وجمع القلة أحجار. فإن قلت: ما وجه عطف: الخشب والحجارة، على: الخضب والقدح؟ قلت: من باب عطف التفسير، لأن المخضب والقدح قد يكونان من الخشب، وقد يكونان من الحجارة، وقد صرح في الحديث المذكور في هذا الباب بمخضب من حجارة كما يأتي عن قريب، والدليل على صحة ذلك ما قد وقع في بعض النسخ الصحيحة: في المخضب والقدح الخشب والحجارة، بدون حرف العطف. وقال بعضهم: وعطف: الخشب والحجارة، على: المخضب والقدح، ليس من عطف العام على الخاص فقط، بل بين هذين وهذين عموم وخصوص من وجه. قلت: قصارى فهم هذا القائل أنه ليس من عطف العام على الخاص، ثم أضرب عنه إلى بيان العموم والخصوص من وجه بين هذه الأشياء، ولم يبين وجه العطف ما هو وقد وقع في بعض النسخ بعد قوله: والحجارة. (والتور)، بفتح التاء المثناة من فوق، قال الجوهري: هو إناء يشرب فيه، زاد المطرزي: صغير، وفي (المغيث) لأبي موسى: هو إناء يشبه إجانة من صفر، أو حجارة يتوضأ فيه ويؤكل. وقال ابن قر قول: هو مثل قدح من الحجارة، وقد مر الكلام فيه عن قريب.
والمناسبة بين هذا الباب والأبواب التي قبله ظاهرة، لأن الكل فيما يتعلق بالوضوء.
195 حدثنا عبد الله منير سمع عبد الله بن بكر حدثنا حميد عن أنس قال حضرت الصلاة فقام من كان قريب الدار إلى أهله وبقي قوم فاتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخضب من حجارة فيه ماء فصغر المخضب ان يبسط فيه كفه فتوضأ القوم كلهم قلنا كم كنتم قال ثمانين وزيادة.
.
مطابق الحديث للترجمة ظاهرة في قوله: (بمخضب من حجارة...) إلى آخره.
بيان رجاله وهم أربعة. الأول: عبد الله بن منير، بضم الميم وكسر النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره رواء، ووقع في رواية الأصيلي: ابن المنير، بالألف واللام. قلت: يجوز كلاهما كما عرف في موضعه، وقد يلتبس هذا: بابن المنير، الذي له كلام في تراجم البخاري وفي غيرها، وهو بضم الميم وفتح النون وتشديد الياء آخر الحروف، وهو متأخر عن ذلك بزهاء أربعمائة سنة، وهو: أبو العباس أحمد بن أبي المعالي محمد كان قاضي إسكندرية وخطيبها، وعبد الله بن منير الحافظ الزاهد السهمي المروزي، مات سنة إحدى وأربعين ومائتين. الثاني: عبد الله بن بكر أبو وهب البصري، نزل بغداد وتوفي في خلافة المأمون سنة ثمان ومائتين. الثالث: حميد، بالتصغير، ابن أبي حميد الطويل، مات وهو قائم يصلي، وقد تقدم في باب خوف المؤمن أن يحبط عمله. الرابع: أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه.
بيان لطائف اسناده منها: أن فيه التحديث بصيغة الجمع والسماع والعنعنة. ومنها: أن رواته ما بين مروزي وبصري.
بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في علامات النبوة عن يزيد بن هارون، وأخرجه مسلم ولفظه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالزوراء، والزوراء بالمدينة عند السوق والمسجد، دعا بقدح فيه ماء فوضع كفه فيه فجعل ينبع من بين أصابعه، فتوضأ جميع أصحابه. قال: قلت: كم كانوا يا أبا حمزة؟ قال: كانوا زهاء الثلاثمائة). وأخرجه الإسماعيلي وغيره.
بيان المعاني والإعراب قوله: (حضرت الصلاة) هي صلاة العصر. قوله: (من كان) في محل الرفع، لأنه فاعل: قام. قوله: (إلى أهله) يتعلق بقوله: (فقام)، وذلك القيام كان لقصد تحصيل الماء والتوضىء به. قوله: (وبقي قوم) أي: عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غابوا عن مجلسه ولم يكونوا على الوضوء أيضا، وإنما توضؤوا من المخضب الذي اتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (فأتي) بضم الهمزة على صيغة المجهول. قوله: (من حجارة) كلمة: من . للبيان. قوله: (فصغر المخضب) أي: لم يسع بسط
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»