عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٩٨
أبي بكر بن أبي داود والخوارج والروافض. وقال الميموني عن أحمد: فيه سبعة وثلاثون صحابيا، وفي رواية الحسن بن محمد عنه أربعون، وكذا قاله البزار في (مسنده) وقال ابن حاتم: أحد وأربعون صحابيا. وفي (الأشراف) عن الحسن: حدثني به سبعون صحابيا. وقال أبو عمر بن عبد البر: مسح على الخفين سائر أهل بدر والحديبية وغيرهم من المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين، وقد أشرنا إلى رواية وخمسين من الصحابة في المسح في شرحنا (لمعاني الآثار) للطحاوي، فمن أراد الوقوف عليه فليرجع إليه.
الثاني: فيه تعظيم لسعد بن أبي وقاص، رضي الله تعالى عنه.
الثالث: فيه أن الصحابي القديم الصحبة قد يخفى عليه من الأمور الجليلة في الشرع ما يطلع عليه غيره، لأن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، أنكر المسح على الخفين مع قدم صحبته وكثرة روايته.
الرابع: فيه أن خبر الواحد إذا حف بالقرائن يفيد اليقين، وقد تكاثرت الروايات بالطرق المتعددة من الصحابة الذين كانوا لا يفارقون النبي صلى الله عليه وسلم في الحضر ولا في السفر، فجرى ذلك مجرى التواتر. وحديث المغيرة كان في غزوة تبوك، فسقط به من يقول آية الوضوء مدنية، والمسح منسوخ بها، لأنه متقدم، إذ غزوة تبوك آخر غزوة كائنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، نزلت قبلها، ومما يدل على أن المسح غير منسوخ حديث جرير، رضي الله تعالى عنه، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، وهو أسلم بعد المائدة، وكان القوم يعجبهم ذلك. وأيضا فإن حديث المغيرة في المسح كان في السفر فيعجبهم استعمال جرير له في الحضر. وقال النووي: لما كان إسلام جرير متأخرا علمنا أن حديثه يعمل به، وهو مبين أن المراد بآية المائدة غير صاحب الخف، فتكون السنة مخصصة للآية.
الخامس: فيه دليل على أنهم كانوا يرون نسخ السنة بالقرآن، قاله الخطابي.
وقال موسى بن عقبة: أخبرني أبو النضر أن أبا سلمة أخبره أن سعدا حدثه فقال عمر لعبد الله نحوه.
موسى بن عقبة، بضم العين وسكون القاف: التابعي، صاحب المغازي، مات سنة إحدى وأربعين ومائة. وفيه ثلاثة من التابعين وهم: موسى، وأبو النضر سالم، وأبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، وهم على الولاء مدنيون. وهذا تعليق وصله الإسماعيلي والنسائي وغيرهما، فالإسماعيلي عن أبي يعلى: حدثنا إبراهيم بن الحجاج حدثنا وهيب عن موسى بن عقبة عن عروة ابن الزبير أن سعدا وابن عمر اختلفا في المسح على الخفين، فلما اجتمعا عند عمر قال سعد لابن عمر: سل أباك عما أنكرت علي! فسأله، فقال عمر: نعم، وإن ذهبت إلى الغائط. قال موسى: وأخبرني سالم أبو النضر عن أبي سلمة بنحو من هذا عن سعد وابن عمر وعمر، وقال عمر لابنه، كأنه يلومه: إذا حدث سعد عن النبي، عليه الصلاة والسلام، فلا تبغ وراء حديثه شيئا. والنسائي عن سليمان بن داود. والحارث بن مسكين عن ابن وهب، وعن قتيبة عن إسماعيل بن جعفر عن موسى. ورواه أبو نعيم من حديث وهيب بن خالد عن موسى، وقال الإسماعيلي: ورواية عروة وأبي سلمة عن سعد وابن عمر في حياة عمر مرسلة. وقال الترمذي عن البخاري: حديث أبي سلمة عن ابن عمر في المسح صحيح، قال: وسألت البخاري عن حديث ابن عمر في المسح مرفوعا فلم يعرفه. وقال الميموني: سألت أحمد عنه فقال: ليس بصحيح، ابن عمر ينكر على سعد المسح. قلت: إنما أنكر عليه مسحه في الحضر، كما هو مبين في بعض الروايات، وأما السفر فقد كان ابن عمر يعلمه. ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن أبي خيثمة في (تاريخه الكبير)، وابن أبي شيبة في (مصنفه) من رواية عاصم عن سالم عنه: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين بالماء في السفر).
واعلم أن خبر: إن، في قوله: (إن سعدا) محذوف، تقديره: إن سعدا حدث أبا سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين. وقوله: (فقال): الفاء، عطف على ذلك المقدر. قوله: (نحوه) منصوب بأنه مقول القول، أي: نحو إذا حدثك سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تسأل عنه غيره.
203 حدثنا عمرو بن خالد الحراني قال حدثنا الليث عن يحيى بن سعيد عن سعد بن إبراهيم عن نافع بن جبير عن عروة بن المغيرة عن أبيه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 ... » »»